إن أسواق العمل الأمريكية اليوم ليست قريبة حتى من كونها "محكمة". فلا تزال نسبة تشغيل العمالة إلى عدد السكان أقل بأربع نقاط مئوية على الأقل عما كانت عليه قبل عام واحد، ويبدو أنها تتجه نحو الثبات لبعض الوقت بعد انتعاش حاد. هذا يعني أنه لا يزال هناك نحو خمسة ملايين شخص كانوا يعملون في 2019، لكنهم لا يعملون اليوم. والأسباب مجهولة. ربما لم يكن أصحاب العمل راغبين في إعادتهم إلى وظائفهم، أو قد تكون الوظائف المعروضة غير جيدة بالقدر الكافي. ربما يعودون إلى العمل في وقت لاحق - هذا العام أو بعده - عندما ينخفض المخزون المؤقت الذي توفره كل هذه المدخرات. ما السبب وراء مخاوف سمرز من التضخم إذن؟ عندما يدلي خبير اقتصادي بقدر سمرز بمثل هذه الادعاءات الزائفة، لا يملك المرء إلا أن يتساءل ما إذا كان هناك شيء آخر في ذهنه؟ من المؤكد أن الأمر لا يخلو من مخاطر حقيقية مرتبطة بالأسعار. من أكبر هذه المخاطر المضاربة المالية ـ في النفط، والمعادن، والأخشاب المستخدمة لبناء المنازل، وما إلى ذلك. ليس من غير المألوف أن يحاول اللاعبون الماليون رفع الأسعار من طريق إخراج هذه السلع من السوق في وقت مبكر من طفرة الازدهار. "يعرف الصينيون هذا، ويتخذون تدابير صارمة، مستحقة، ضد اكتناز النحاس وغير ذلك من المعادن". قد ينشأ خطر آخر إذا أنصت الاحتياطي الفيدرالي إلى نصيحة صقور التضخم. ترى أغلب الشركات أن الفائدة تكلفة مثلها مثل أي تكلفة أخرى، وأي زيادة في هذه التكلفة ستمرر جزئيا إلى أسعار المستهلك. من المثير للاهتمام أن سمرز لم يذكر أيا من هذين الأمرين، اللذين يمكن التخفيف من حدتهما من خلال فرض ضوابط تنظيمية صارمة على القطاع المالي ـ وبطبيعة الحال، من خلال عدم رفع أسعار الفائدة. لكن مخاوف أشد عمقا ربما تكمن تحت سطح مقال سمرز. يتعلق أحدها بمدخرات بقيمة تريليوني دولار. من خلال مدفوعات مباشرة والتأمين الموسع ضد البطالة، ذهب جزء لا بأس به من هذا المبلغ إلى أسر الطبقة العاملة ـ أول تغيير كبير لمصلحة عديد من هذه الأسر في عقود من الزمن. فامتلاك بعض السيولة النقدية من شأنه أن يجعلهم أقل ميلا إلى الاقتراض ـ وبالتالي أقل اعتمادا على البنوك. ربما يطالب العمال حتى بأجور أعلى، ما يؤدي إلى إيجاد "نقص العمالة" الذي يتحدث عنه سمرز "مؤقتا على الأقل". في عموم الأمر، عندما يتمتع الناس ببعض الحماية المالية، يصبح من الصعب التحكم فيهم. ربما يمكننا رصد مصدر ثان للقلق في دعوة سمرز إلى "تصريحات واضحة بأن الولايات المتحدة ترغب في تعزيز قوة الدولار". هذا هو مصدر الفزع السري بين رجال المال، مجموعة غير آمنة من البشر يخشون أن يكون موقعهم على عمود الطوطم العالمي غير آمن تماما. ربما كانوا محقين، ذلك أن العالم الذي يتمحور حول الدولار اليوم يعكس تحالف القوى خلال الفترة بين نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة في 1989. منذ ذلك الحين، تآكلت قوة الولايات المتحدة، ما أدى إلى نشوء احتمال انقلاب النظام النقدي العالمي ذات يوم. قد لا يحدث هذا في أي وقت قريب. لكن عندما تحين اللحظة، فسيكون هذا راجعا إلى عقود من الانحدار، والاستراتيجيات الأفضل المتبعة في أماكن أخرى، والجراح الذاتية من عهد ريجان، وكلينتون، وبوش، والتضحية بالقاعدة الصناعية الأمريكية في ثمانينيات القرن الـ20، وهشاشة النظام العالمي الذي نشأ في التسعينيات، والإنهاك العسكري في العقد الأول من القرن الـ21. على هذه الخلفية، فإن بعض "التصريحات الواضحة" لن تعني الكثير. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2021.
مشاركة :