للأوروبيين.. استرضاء الإيرانيين لا يفيد

  • 8/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هل باتت أوروبا مدفوعة بدافع قسري مهلك يجعلها تكرر أخطاءها السابقة من دون تبصر في تجارب التاريخ وحكايا الإنسانية المؤلمة التي عاشتها قبل سبعة عقود، أم أن قيادات اليوم التي لم تعاين مرارة النازية والفاشية لا تدرك الهول الذي ينتظرها إن مضت في طريق دعمها لمشروع لا يقل شمولية وتوتاليتارية وديكتاتورية عن سابقيه؟ منطلق التساؤل المشهد الذي رأيناه على هامش قمة السبع الكبار في فرنسا الأسبوع الماضي، وفيه بدا وكان الجانب الأوروبي وفرنسا هذه المرة في القلب منه، يبذل جهوداً جبارة لاسترضاء إيران، ومحاولة تقديم طوق النجاة لها، ناسين أو متناسين الخطر الفادح الذي تمثله إيران على الأوروبيين في الحال والاستقبال. تبقى مسألة زيارة جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى فرنسا في توقيت مواكب للقمة مثار أسئلة وعلامات استفهام عديدة، غير أن خواتيم الأمور هي الأهم، ولهذا نتساءل: "لماذا الإصرار الأوروبي المستميت لإنقاذ إيران في حين أن الردود الإيرانية لا تأتي إلا بما هو مخيف، وبما يذكر الأوروبيين الذين لا يتذكرون بأنه "مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً؟". رأينا الرئيس الفرنسي ماكرون يسارع الوقت ويصارعه لكي يرتب لقاء للرئيس الأميركي مع نظيره مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي من أجل وقف مسيرة كرة الثلج المتدحرجة من فوق الجبل، لكن هل سأل الأوروبيون وعلى رأسهم ماكرون نظام الملالي؟ هل استمعوا إلى الصيحات التي رفعت وترفع من هناك كل يوم؟ ربما لم يبلغ سمع ماكرون ومن يدعمه، خاصة المفوض الجديد للسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي المختار حديثاً والذي تتسق رؤاه مع توجهات الأوربيين، ما يدور في الداخل الإيراني من اتهامات بالخيانة لكل من يقترب من طرح فكرة الحوار، بدءاً من ظريف وصولاً إلى روحاني. خلال المهرجان الذي عرف باسم "الموظف الثوري الإسلامي"، الذي نظمته قوات التعبئة "الباسيج" الإيرانية نهار الثلاثاء الفائت، قال غلام غيب بور، كبير المستشارين لقائد الحرس الثوري الإيراني إن "بعض الرحلات الخارجية إلى القمم الأجنبية تكون بدافع اليأس، ونأمل ألا يكون بعض مسؤولينا قد تعرضوا لهزيمة لا سمح الله". من يقصد الرجل بهذا الكلام؟ بل شك أن مرماه هو جواد ظريف ورحلته الأخيرة إلى فرنسا، لا سيما أنه أضاف قائلا: "في بعض الأحيان توجد سلوكيات تفوح منها رائحة الخيانة، وعلى الحكومات واجب التعامل مع الفساد، وكذلك الأمر بالنسبة للناس". هل هؤلاء هم من يسعى ماكرون لفتح أبواب الحوار واسعة معهم، ويرى حتمية اللقاء بين ترمب وخامنئي من أجلهم؟ الاندفاع الأوروبي في طريق استرضاء إيران غير مفهوم بالمرة، والأسئلة عديدة ملقاة على الطرقات في هذا السياق، فهل تخشى أوروبا من الإيرانيين أم أنها تحافظ على مصالح براغماتية معهم أنفع وأرفع من مصالحها مع الجانب الآخر من الأطلسي حيث العم سام؟ الناظر إلى الميزان التجاري الأووربي الإيراني، يجد أنه في أفضل الأحوال لا يصل إلى عشرة مليارات دولار سنويا، في حين يصل الرقم مع الجانب الأميركي إلى نحو 800 مليار دولار. ثم خذ إليك أن واشنطن هي من ألقت طوق النجاة لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، عبر مشروع مارشال الذي استنهض همتها الاقتصادية ودفع الدماء في شرايينها مرة جديدة، بعد أن تعرضت لموت كامل خلال خمس سنوات طاحنة. مبدئياً إذن لا يمكن أن تضحي أوروبا بعلاقتها مع العم سام، ودع عنك بعض الأفكار الهيولية من نوعية الجيش الأوروبي الموحد، فما لدى أوروبا كلها من جيوش نظامية لا يثبت أمام دبابات الروس لمدة يومين، ناهيك عن التنين الصيني الذي يسعى اليوم حثيثا لاختراق أوروبا، وغدا يمكنه أن ينفث لهب النار ويبث الرعب في الأوربيين، ما يعني أنه لا خلاص لأوروبا بعيدا عن حلف الناتو. أيكون الخوف من الإيرانيين، هو السبب وراء محاولات استرضائهم اليوم؟ لا يمكننا أيضا أن نتفق مع هذا الرأي، فإيران رغم أنها تعمد إلى إثارة الإرهاب والمخاوف في الداخل الأوروبي من خلال إرهابييها من الحرس الثوري، والمنتشرين داخل مدن أوروبية عديدة بأقنعة دبلوماسيين، لم تصل بعد إلى حد مرحلة التهديد المباشر لحياة الأوروبيين، وإن كانت ستبلغها حتما عما قريب إذا استمرت في تطوير برامجها الصاروخية التي ترفض التخلي عنها، وبعض منها في واقع الأمر يطال مدنا في جنوب أوروبا الآن، وقريبا يصل إلى عمق العواصم الأوروبية الكبرى. حاولت أوروبا استرضاء إيران عبر الجزرة وفكرة الصندوق المالي الذي يقي الإيرانيين شر العقوبات الأميركية، غير أنه تكشف لهم أن الملالي لا يريدون الجزرة، إنهم يريدون المزرعة برمتها، يريدون أن يبيعوا النفط في الأسواق، وأن يكملوا برنامجهم النووي والصاروخي من عوائده، وهو ما صرح به بعض المسؤولين لوكالة رويترز للأنباء غداة زيارة ظريف لفرنسا، حيث أبدوا تصميما صلبا لا يلين تجاه حتمية رفع العقوبات الأميركية قبل أي مجال لحوار أو تفاوض، قاطعين حاسمين وحازمين بأن البرنامج الصاروخي لا قبل لأحد به وخارج دائرة التفاوض. حين نقول الاسترضاء الأوروبي لا يفيد، فإننا نتحدث من خلال التجربة التاريخية القريبة جدا، ففي مارس 2018، أرسل الأوروبيون وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان للملالي في طهران من أجل بدء النقاش حول مشروعهم الصاروخي.. هل يتذكر القارئ ما الرد الذي عاد به الوزير الفرنسي؟ "في حالة واحدة يمكننا أن نتخلى عن برنامجنا الصاروخي، وذلك حين تترك أوروبا وأميركا صواريخهما من وراء ظهورهما، وأن يتخلصوا من مشاريعهم لتطويرها"، هكذا جاء الرد الإيراني. يفوت الرئيس ماكرون أن فكرة يوتوبية مثل لقاء خامنئي مع ترمب، لا يمكن أن تحدث بالمرة، فالأول لا يريد أن يكرر خطأ الخميني، أي أن تتجرع بلاده كأس السم للمرة الثانية في تاريخها، ولهذا أعدت أذرعا ووكلاء ميليشياويين لإدارة الحرب القادمة. ذات مرة في ثلاثينات القرن الماضي حاول الأوروبيون جاهدين استرضاء الزعيم النازي أودلف هتلر، في محاولة يائسة لإبعاد شبح المواجهات مع نظام عنصري كانت إرهاصاته تتضح يوما بعد الآخر، إلا أن كل محاولات الاسترضاء ذهبت سدى، وذاقت أوروبا النار والمرار، وذرفت العبرات الثخينة من مآقي العيون، ولولا التدخل الأميركي لكانت الطامة أكبر. هل يعني حديثنا هذا أننا من أنصار الحروب واشتعالها، والكراهيات وانتشارها؟ بالقطع لا يمكن أن يكون ذلك كذلك، فما من عاقل يعتبر الحرب حلا أو مهربا، لا سيما أن الشعب الإيراني هو من سيدفع الثمن. إنما نسأل الأوروبيين أن يفكروا بعقلانية، وأن يشاركوا العالم البحث عن حلول تقي الجميع من الأسوأ الإيراني الذي لم يأتِ بعد.

مشاركة :