جاك دريدا.. الحائر بين الفلسفة والنقد الأدبي

  • 8/31/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» أصدر المركز القومي للترجمة كتاب جاك دريدا «في علم الكتابة» بترجمة د. منى طلبة ود. أنور مغيث، والكتاب بقدر ما كان إشكالياً في ترجمته، حسبما يوضح المترجمان في المقدمة، فإن ما كتبه دريدا نفسه أكثر إشكالية، فمن الشائع أن كتابته صعبة، وذلك لعدة أسباب أولها صعوبة المفاهيم والحجج ذاتها، وهي صعوبة تتعلق بوضعه ضمن تراث فلسفي متواصل، لا يلم القارئ غير الفرنسي به دائما.تعود صعوبة دريدا أيضا إلى أن فلسفته ليست فلسفة نسقية، بمعنى أنه لا يقدم للقارئ نسقاً فلسفياً منتهياً، كل مصطلح فيه محدد ومعين منذ مبادئه الأولى حتى النظرية النهائية، فكثير من تحليلاته وأفكاره يأتي في سياق حوار مع مفكرين آخرين عبر قراءة دؤوبة واستشهادات وتعليقات، ومشكلة مثل هذا التناول هي أن القارئ يحتاج أحياناً إلى معرفة هؤلاء المفكرين قبل الشروع في متابعة حجج دريدا.ترجع الصعوبة الأخيرة إلى أسلوب كتابة دريدا، فمن الكتابة المبهمة المراوغة إلى ما يمكن أن نطلق عليه الكتابة المنبسطة، يبدو أسلوبه بلاغياً بصورة مفرطة، ويزيد الأمر تعقيداً نزوعه إلى صيغ المفارقة والكلمات المستحدثة، وسبل متنوعة من اللعب بالكلمات.هذا الأسلوب البلاغي هو الذي أوقع مؤيدي دريدا ومعارضيه في حيرة من أمره، إذ يعترض أحدهم على البعد الفلسفي للتفكيك، ويجعله مقصوراً على النقد الأدبي، ويتساءل: ما الذي يعنيه التفكيك تحديداً ولم يثر إلى هذا الحد في النقد الأدبي الأمريكي في حين أنه مجهول على نطاق واسع بين الفلاسفة الأمريكيين؟ ويكرس آخر كتاباً للتفكيك وعلم الجمال والنقد الأدبي، ويتساءل عما إذا كانت فلسفة دريدا هي فلسفة بالمعنى المؤسس للمصطلح، في حين يؤكد آخر أن أعماله هي أساساً نظرية وفلسفية، وأن النسيج الأسلوبي لأعماله، لا يمكن أن يوصف أبدا بالأدبي.إذا كانت العلاقة بين الفلسفة والأدب قد تراوحت طيلة تاريخ الثقافة الغربية ما بين كتابة النظرية الفلسفية بأسلوب أدبي والتنظير الفلسفي للأدب وتضمين الكتابة الأدبية مفاهيم فلسفية، فلماذا تثير علاقة الفلسفة بالأدب عند دريدا كل هذا الجدل؟ الواقع أن فلسفة التفكيك ارتبطت بالأدب على مستويين: مستوى الكتابة البلاغية للتفكيك، ومستوى الاستثمار الهائل للتفكيك في مجال النقد الأدبي، ومن المعروف أن دريدا لم يقدم أعمالاً أدبية على غرار سارتر، فكل نصوصه فلسفية محضة، إلا ما يشي به كتاباه «الاعترافات» و«اللغة الأحادية للآخر» من إشارات لسيرته الذاتية.يقول دريدا نفسه: «لا تنتمي نصوصي إلى السجل الفلسفي ولا إلى السجل الأدبي». ولعل وقوع فلسفة دريدا في منطقة «البين بين» هذه هو ما يثير القلق، إذ لا تنتمي نصوصه إلى الأدب، بمعناه المعروف، وبذلك يصح النفي الثاني في عبارته، ولكن لماذا لا تنتمي فلسفته إلى سجل الفلسفة التقليدي؟ لم يخف دريدا قط شغفه بالأدب، فمنذ فترة التكوين كان لأدباء مثل سارتر وروسو وأندريه جيد وفاليري أثر كبير في تكوينه الفلسفي على حد تعبيره.يرى دريدا أن الفكر الفلسفي عاجز عن التعبير بذاته عن ذاته، فهو دائماً في حاجة إلى المجاز، ليكون ظاهراً جلياً، والفكر الفلسفي على هذا النحو يقع على الاستعارة، التي يحاول الفكر بها الخروج من ذاته ليعبر أو ليعلن عن نفسه، وقد استخدم الفلاسفة منذ أفلاطون مجازات للتعبير عن أفكارهم، لكن أغرب درس فلسفي للأدب وأدله على اهتمام دريدا بالفلسفة في الأدب يمثله كتاب «أجراس». الكتاب فريد في طريقة نشره وبنيته، فهو عبارة عن ثلاثة نصوص متوازية: نص مبادئ فلسفة الحق لهيجل ويتحدث فيه هيجل عن الأسرة والمجتمع المدني والدولة، يقابله نص أدبي لجان جينيه، يتحدث فيه عن الحب، ثم حواشٍ كتبها دريدا على كل نص على حدة، على جانبي كل صفحة، والنصان الرئيسيان لهيجل وجينيه لا علاقة بينهما، تبرر تجاورهما على فضاء الصفحات المتقابلة، فهل أراد بعرض النص الفلسفي على الأدبي أن يبرز ما بينهما من تناقض أم ما يعتري كلاً منهما من نقص يستدعي الآخر؟

مشاركة :