تتجدد القناعة يوما بعد يوم بأن القيادة الفعالة هي ممارسات عملية تؤدي إلى التأثير في الآخرين، وأن القيادة أحيانا يحصل عليها الإنسان (بالفطرة) فيرثها الإنسان عن سلاسته كما يرثها أبناء الملوك وأحفادهم، أو تكون تعليمية تعلمها (بالاحتكاك) من قائد سابق ففهم أسلوب التأثير في الآخرين عملياً، وليس نظرياً، ولذا قيل:"لن تكون قائداً حتى تكون تابعاً" كما حصل مع الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أما ما يخص تلقي القيادة عن طريق التعليم والتدريب النظري فيبقى ناقصا ما لم يمر الإنسان بتجارب عملية على أرض الواقع تصقل تلك المعرفة وترتقي بها في سلم القيادة الفعالة. استوقفتني عبارة للخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب (قمة التميز الاحترافي والشخصي) للمؤلف د. إبراهيم القعيد حيث يقول:"إني أريد رجلاً إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه واحد منهم". ويُفهم من كلامه رضي الله عنه أن الإخلاص في القيام بالمسؤولية هو ما يجعل الإنسان يتصرف بطريقة تؤدي إلى نجاح العمل، فإذا كان موظفاً بسيطا أدى عمله كما لوكان مسئولا كبيرا، وإذا كان مسئولا كبيرا تعامل مع موظفيه كأنه واحد منهم لإنجاح تلك المهمة التي يسعون إلى تحقيقها. أثبتت مجموعة من الدراسات أن مستويات التأثير في القيادة تنقسم إلى مجموعة من المستويات أدناها (المنصب) حيث يتبعك الآخرون لأنهم خائفون ومضطرون فأحيانا بقناعة وأحيانا دون قناعة، ثم يليه (القبول) بسبب محبتهم لك وعلاقتهم بك، ويأتي بعده (الإنتاج) قدرتك على الإنجاز والنجاح، والمستوى الذي يليه (تطوير الآخرين) يشعرون بأنهم يتعلمون منك فأنت مصدر إلهام لهم، أما أعلى مستويات التأثير في القيادة (الزعامة) الناتج عن احترامهم لك وقوة شخصيتك في التواصل معهم. مقولة عمر رضي الله عنه تنسجم مع تصنيف مستويات القيادة الحديث، حيث وجدوا أن القيادة لا تعني المنصب والمركز الوظيفي، فكثير من المسؤولين تركوا مناصبهم ولا يذكرهم سوى المنتفعين والمستفيدين منهم، هذا إذا أحسنا الظن بهم لأنهم استمدوا ثقتهم بأنفسهم من مناصبهم، بينما تجد هناك مسؤولين غادروا مناصبهم ولم تغادر بصماتهم في حياة الآخرين، لأنهم كانوا يستمدون ثقتهم بأنفسهم من خلال إخلاصهم لوظائفهم وأعمالهم واحترامهم للآخرين.
مشاركة :