ضمن الأفلام الذي يمكن ضمها للوثائقية أو بالأخص أفلام السيرة الذاتية يأتي الفيلم الإيطالي "موسيقى الصمت Music of Silence " الذي تم إخراجه من قبل المخرج  "مايكل رادفورد Michael Radford” ويتناول حياة مغني الأوبرا الشهير "أندريا بوتشيلي Andrea Bocelli"، والذي قام عام 1999م بكتابة قصة حياته في رواية منحها ذلك العنوان الذي يتعمق في تجربته مع الصمت "موسيقى الصمت"، ولعله من المفارقة أن يركز على الصمت شخص مهنته أطلاق عقيرته بالغناء بذلك الصوت التينور Tenor، الذي يصفه النقاد بالصوت الذي جلب النور. لكن وبمتابعة مسيرته منذ الطفولة حين اكتشف مع عائلته والمحيطين به ندرة صوته وبذرة العبقرية ندرك كيف كان الصمت الخميرة التي تشكل ونضج فيها ذلك الغناء الصادح من سحر. جلية هي تداخلات القدر أو بالأحرى إعجاز حبكة القدر في سيرة حياة هذا العبقري، حين سخر له الأحداث بما فيها العمي ليصله بنبع المطلق داخله، ليس ذلك فحسب بل سخر له الشخصيات التي قادته لجلي وصقل تلك الجوهرة النادرة التي خبأها القدر في طيات عماه.. حيث قيض له ذلك العم الذي ظل يسعى لوضعه على الطريق لتحقيق الرسالة التي جاء بها لهذا العالم، أو حين قيض له مغني الأوبرا الأشهر "بافاروتي  Pavarotti" الذي اكتشفه حين وقع بيده تسجيلاً لبوتشيلي. أندريا بوتشيلي جاء من معاناة، فلقد ولد بعيب في الإبصار لم يلبث أن قاده للعمى التام، ومن تمام الحلكة انبثق نور، انبثاق يقول: إن الإعجاز الإلهي يلقي ببذور العبقرية في تربة أبعد ما تكون عن تخيلنا نحن البشر، وإن مايبدو لنا سلبياً بل وكارثياً ربما يحمل في بطائنه منتهى الخير، إذ من تمام العمى انبثق ذلك الصوت النادر، حين اكتشف أندريا بوتشيلي قدرته على سحر الجمهور بصوته. مراحل أو موجات من العتمة والنور عبرها بوتشيلي خلال سنوات نموه قادت حتماً لتجلي عبقريته، إذ لم تلبث أن أطبقت العتمة من جديد حين فقد صوته مع سن البلوغ، وذلك لطبيعة مراحل نمو حبال الحنجرة والتغيرات التي تأتي مع البلوغ، مرحلة من فقدان الأمل، تم عبورها في شبه حلكة ثم لم تلبث أن انقشعت، ثم اكتشف من جديد صوته الذي كان بحاجة للصقل والدوزنة، وهنا يأتي دور تعرفه على مدرب الأصوات الأوبرالية والذي أرشده للمعجزات المخفية في الصمت، وبعدها أتقن بوتشيلي الغوص في صمت صدره والرجعة بتلك الكنوز النورانية المدسوسة في القلب البشري. الجدير بالذكر أنه قد لعب بطولة الفيلم الممثل والموسيقي البريطاني"سيباستيان توبي Sebastian Toby"، إلا أن بوتشيلي نفسه يظهر في مشاهد ليمثل ذاته بل ويقوم بدور الراوي الذي يروي بصوته مجريات حياته. رحلة عبقري نتعلم منها الإيمان والتسليم لكل ما يأتي به القدر.