الألمعي يرفد المكتبة السعودية بثلاثة مؤلفات

  • 4/25/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يفتأ الأديب والقاص الأستاذ إبراهيم مضواح الألمعي من الكتابة المعتقة بعبق الجزالة وأصالة الأساليب العربية الباذخة التي تذكرك بكُتاب عصر النهضة، فاستقامت لغته وتألقت صوره وتميزت تراكيبه وهذا أحد مكونات حضوره بصورة واضحة في المشهد الأدبي السعودي، ناهيك عما يطرحه من أفكار وما يعالجه من موضوعات، فقبل أسابيع قليلة صدر له ثلاثة كتب عن دار الانتشار العربي ببيروت، مارس من خلالها مواضيع متنوعة ولكنها ذات علاقة وطيدة بالأدب العربي أُولى هذه الكتب؛ كتاب "العائشتان" والذي نهض على إبراز دور كل من الأديبتين الشهيرتين عائشة التيمورية (1840 – 1902م) وعائشة عبدالرحمن "بنت الشاطئ" (1913 – 1998م) يقول الألمعي في معرض مقدمته ".... فالتيمورية كانت فريدة عصرها في القرن التاسع عشر حيث طبق اسمها الآفاق وعالجت الشعر بالعربية والتركية والفارسية، ولها في كل لغة منه ديوان، في حين بلغت بنت الشاطئ الغاية في علوم العربية والتفسير والتاريخ الإسلامي في القرن العشرين، حتى تسابقت الجامعات – من الخليج إلى المحيط – في استقطابها". وقد وقف المؤلف مع العائشتين كل على حده؛ فعائشة التيمورية جاءت في عصر غلب عليه طغيان الرجل وحضوره في كل المجالات وندر أن تخرج منه شاعرة أو أديبة، لكن والدها إسماعيل تيمور باشا كان من أكبر الدافعين لها في حياتها الأدبية فقد كان يحضر لها المعلمين والمعلمات ويزودها بالكتب والدواوين والصحف، فهيأ لها مناخاً ثقافياً ملائماً على عكس من والدتها التي أرادت لها أن تجيد الخياطة والحياكة كبنات جيلها فما كان منها إلا أن راحت تغرد شعراً بأكثر من لغة، فيه صدق فني وبه عاطفة وقادة يحمل أفكارها الجديدة وهي ممن دعوا إلى تعليم المرأة المصرية تحت إطار الشرع الإسلامي، إلا أن التيمورية أصاب شعرها ما أصابه من حزن عميق ويأس من الحياة؛ لأنها فقدت أقرب الناس إليها وهم: أمها وزوجها وشقيقتها وأبوها وابنتها توحيدة والأخيرة كانت أعظم خطب ألمّ بحياة عائشة التيمورية فرثتها شعراً؛ حزناً على رحيلها ومن أبرز ما قالت: ستر السنا وتحجب شمس الضحى وتغيبت بعد الشروق بدور ومضى الذي أهوى وجرعني الأسى وغدت بقلبي جذوره وسعير يا ليته لما نوى عهد النوى وافى العيون من الظلام نذير وحين كف بصرها الذي من خلاله تنظر للحياة وحرمها من كتبها وأوراقها وهو ما يعشقه كل أديب وأديبة قالت في ذلك: أَمُسُ الكُتْبَ من شغفي عليها وأبلي حسرة من سوء حالي وأندب منهجي حباً لأني حرمت بدائع السحر الحلال أما عائشة عبدالرحمن فكل حياتها قامت على الكفاح ومقارعة الخطوب والجلد أمام عقبة كؤود غرسها والدها في طريق حياتها حين منعها من اكمال تعليمها النظامي مكتفياً بتعليمها التقليدي في الكتّاب الذي يقوم على حفظ القرآن والقراءة والكتابة وما تيسر من العلوم الشرعية البسيطة ولكون والدها شيخاً بالمعهد الديني في محافظة دمياط، فقد قال لها "ليس لبنات المشايخ والعلماء أن يخرجن إلى المدارس الفاسدة المفسدة، وإنما يتعلمن في بيوتهن"، لكن تدخل جدها لأمها وما لمسه فيها من رغبة في اتمام دراستها وما وجده فيها من تميز في الحفظ والفهم تشفع لها عند والدها ليقنعه برغبة ابنته للالتحاق بالمرحلة الابتدائية، ليوافق الأب على ذلك في مضض، أما مراحل تعليمها الأخرى فلجأت إلى بعض شيوخ المعهد الديني ليشفعوا لها عند والدها، وهكذا أخذت تواصل "بنت الشاطئ" مراحلها التعليمية فنالت البكالوريوس في جامعة القاهرة عام (1939م) ثم اجتازت درجة الماجستير مع مرتبة الشرف الأولى عام (1941م) بعدها حققت درجة الدكتوراه عام (1950م). حظيت عائشة عبدالرحمن بمكانة رفيعة في الأوساط العلمية والثقافية في مصر والعالم العربي فقد عملت أستاذاً للتفسير وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في عدد من الجامعات العربية منها عين شمس والقروين والخرطوم والجزائر وبيروت والإمارات والرياض، ولم ترحل "بنت الشاطئ" إلا بعد أن أودعت المكتبة العربية ما يربو على الأربعين كتاباً في التفاسير والتاريخ الإسلامي وتراحم بيت النبوة واللغة والنقد والتحقيق. في حين خص الألمعي كتابه الثاني عن حياته مع العلم والمعرفة مذ كان طفلاً يتلقى العلوم سائغة في مدرسته بمحافظة (رجال ألمع) جنوبي السعودي ثم معلماً فمشرفاً للإعلام التربوي حتى أصبح أميناً للمكتبة ومصادر التعلم ووسم هذا الكتاب ب"ذاكرة الطباشير" ومؤكداً أن صفحات هذا الكتاب تعد شاهدة على مرحلة من مسيرة التربية والتعليم من جهة، وعلى السيرة التربوية والتعليمية لكاتبها من جهة أخرى. لذلك فقد أنطوى الكتاب على قصة التعليم بمحافظة (رجال ألمع) سرد فيها بداية التعليم الحكومي فيها للبنين ثم للبنات، بعدها مضى يصف سنوات التلقي في مراحله التعليمية ويذكر من خلالها بعض المواقف التي وعتها ذاكرته كما يدون دور المعلم ورسالته في المجتمع كونه عمل في هذا الحقل سنوات طويلة ثم تراه في بعض المقالات يشيد ببعض المعلمين الذين أخذ عنهم العلم والأخلاق من سعوديين ومتعاقدين عرب كان لهم أعظم الأثر في حياته، كما يضم الكتاب جمهرة من الآراء في التعليم مستشهداً ببعض القصص التي وقعت لكوكبة من أعلام الأدب والفكر والثقافة في مراحلهم التعليمية. ويأتي ثالث هذه الكتب في مجال التراجم وحمل عنوان "قريباً منهم.. شخصيات ألمعية" إلا أن هذه التراجم لشخصيات عاش معها وأنس بها وأخذ عنها، وتحاور معها؛ لذلك تأتي هذه التراجم مضمخة برؤية المحب، صادقة لكونها خرجت من إعجاب بهم. يقول في تقدمه لهذا الكتاب: ليست هذه الصفحات قراءات وافية لهذه الشخصيات التي عبرت بذاكرتي وتركت أثراً في وعيي، إنها مجرد ومضات أملاها القلب، وسجلتها الذاكرة، من خلال مواقف وشهادات مدادها الحب والتقدير. والعشرون شخصية التي منحها الأديب الألمعي فيض محبته متنوعة الاتجاهات ومتعددة المنازع ومتوزعة الأدوار الثقافية والعلمية، موضحاً أدوارهم التي انيطت بهم منهم الأديب ومنهم الشاعر ومنهم الباحث ومنهم الإداري الروائي ومنهم القيادي ومنهم الكتبيّ ومنهم المؤرخ ومنهم المعلم، كل ذلك جاء بلغة عالية وأسلوب مشوق وتصوير دقيق يخيل لك أنك أمامهم وتعرفهم عن كثب.

مشاركة :