لعل من أبرز أدوات الفرقة بين الناس ضيق الأفق، وهو أن يرى الإنسان الواسع ضيقًا، وأن يري رأيه هو الرأى الأوحد وما عداه كله باطل، وهذا في حده أبرز علامات الجهل.دعنا نضرب مثالًا افتراضيًا لشخصين ذهبا لأداء مناسك العمرة، وقد سأل كل واحد منهما نفس الشيخ، عن ماذا يقول في دعائه فى الطواف؟فأجاب الشيخ الشخص الأول قائلًا: قل ما تريده وبأى صيغة شئت.وأجاب الشيخ الشخص الثانى بتفصيل شديد، وكلمات مأثورة يقولها عند كل ركن في الطواف.وعندما ذهب الاثنان وتقابلا في الطواف، وسمع كل واحد منهما الآخر نشبت بينهما مشادة كلامية: من منا الصواب ومن منا الخطأ؟ الأول يقول للثانى: لقد ابتدعت. والثانى يقول للأول: ما أراك أصبت السنة في شيء. والحقيقة أنه لم يفطن ذهنهما ان كلا منهما على صواب، ولكن قدرة الشخص الأول الذهنية والحركية تمنعه من أن يتذكر أقوالًا مأثورة بعينها قد يعيقه استرجاعها عن اتمام طوافه، أما الثانى فقدرته تسمح له بذلك؛ فوجهه الشيخ لذلك.إن احترام الرأي والاختلاف معضلة زمانية كانت ولا تزال ترافق الإنسان في حياته، فالكثير من المشاكل والأزمات والحروب كان أحد أسبابها عدم وجود ثقافة احترام الرأي والاختلاف.ولعل من أسوأ الخلافات تلك التى تنشأ بسبب الآراء الفقهية، فالمتعصبون في الدين من أشرس الأنواع على الاطلاق إذ أن تعصبهم يتعدى حدود الأدب في الحوار ليمتد إلى الإهانة والخصومة والتصارع، والأمر أبسط من ذلك كله.يحضرنى مقولة سيدنا عبد الله بن أبي قيس عندما سأل السيدة عائشة رضى الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: أكان يُسر بالقراءة أم يجهر؟ قالت كل ذلك قد كان يفعل، قد كان ربما أسَر وربما جهر، فقال سيدنا عبد الله: الحمد لله الذى جعل في الأمر سَعة. "أخرجه الترمذى".ورغم أن اختلاف سنة الله تعالى في خلقه بالنصوص الصريحة في الكتاب، إلا أن ثقافة تقبل الرأى الآخر واحترامه يفتقدها الكثيرون، ولذلك وجهت الشريعة الأمة لأصول تقبل الآخر، ولا أعتقد أن ذلك يؤتى أكله إلا بالعلم، فضيق الأفق مرادف للجهل.حفظنا الله تعالى من الجهل وضيق الأفق والرياء والسمعة ومن كل شر استعاذ منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، آمين.
مشاركة :