لم تكن " الأسامي كلام " كما حاول إفهامنا جوزيف حرب في كلمات الأغنية الشهيرة للسيدة فيروز، على الأقل بالنسبة لحنا يعقوب بطل رواية دروز بلغراد - للروائي الغزير والعظيم-، أوالغزير بطريقة عظيمة : ربيع جابر . إذ كان الاسم، والاسم فقط، هو السبب لتغيير مصيره وحياته كلها. بالأمس كان يحمل اسما مسالما، آمنا، لا يتهدده خطر من أي نوع. و اليوم - اليوم الذي كان فاتحة عذاباته وتهجيره وسجنه وتجويعه وإخافته وانتزاعه قسرا من بيته وأسرته الصغيرة ووطنه، وحياته التافهة لكن الجميلة -أصبح يحمل أسما مؤهلا بشكل قدري ليكون عرضة لكل هذا. في مصادفة قدرية كلفته أسنانه وطريقة مشيته وأثني عشر عاما من المجهول والسخرة تم استبدال اسمه " حنا يعقوب " ب " سليمان غفار عز الدين " : " احفظ الاسم : سليمان غفار عز الدين .. انظر هناك هؤلاء الأربعة الذين ينظرون إلى هنا أخوتك . تصرف كأنهم أخوتك ". كان لهذا التغيير مبرر بالطبع لمن قاموا به يمكن فهمه، لكن ليس بالنسبة لحنا يعقوب، وليس لنا، عندما ننتزع هذه الشخصية من فضائها، و نسقط ما حدث لها على الكائن البشري، الذي من الواضح أنه وفق ترتيبات قدرية معينة من الممكن أن يكون عرضه لأمر مشابه من سوء الحظ في أي مكان أو زمان مختلفين. نسج "ربيع جابر" عملا روائيا متماسكا ينتمي إلى الرواية التاريخية، معتمدا في صلب متنه الروائي على واقعة حقيقية تاريخية متعلقة بنفي مجموعة من الدروز إلى بلغراد بعد حرب و مجازر جبل لبنان عام 1860م. تنتقل الرواية بأسلوب السرد المشهدي – وإن لم يكن بشكل كامل– بين مواقع وأحداث ومصائر هؤلاء المجموعة المنفية من الدروز، والذي اُدخل بينهم قسرا "حنا يعقوب" . تلك المجموعة التي تعرضت للفناء عن آخرها سوى ثلاثة أشخاص، من بينهم حنا يعقوب بالطبع .. الذي كانت نجاته قدرية لا أكثر، مثلما كانت ورطته من البداية وهي الثيمة التي دارت عليها الرواية حيث هذه الهشاشة المفزعة فيما يتعلق بالمصائر البشرية. ليس متأخرا أبدا الحديث عن هذه الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية للرواية للعام 2012، مثلما لا يصبح متأخرا أبدا الحديث عن عمل إبداعي عظيم مرشح للخلود. رواية أعادت للبوكر العربية الثقة لدى قطاع كبير من "الذواقة " الذين خفت اهتماماتهم بهذه الجائزة بعد سلسلة من "التفويزات" التي فاحت منها رائحة الحسابات الجغرافية والتجارية والشخصية.
مشاركة :