تركيا وفقدان البوصلة

  • 9/9/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

حسام ميرو منذ مطلع 2018، بدأت العملة الوطنية التركية (الليرة) بالتراجع أمام الدولار بشكل غير مسبوق، ولا يزال هذا التراجع مستمراً، في ظل انعدام قدرة السياسات المالية للبنك المركزي التركي على إيقاف هذا المسار، وظهور عدد من المؤشرات السلبية في مجمل حركة الاقتصاد التركي، مع تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على البلاد، مثل تعليق «اتفاق النقل الجوي الشامل» من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو ما أفقد تركيا نحو خمسة بلايين يورو من الأرباح، بالإضافة إلى خسارة 48 ألف وظيفة عمل.بعد الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016، قام الرئيس أردوغان بخطوات استئصالية لخصومه من الجيش والإدارات المدنية والجامعات، وزجّ بأعداد كبيرة منهم في السجون، بتهمة التآمر، في محاولة لاستثمار «فشل الانقلاب» من أجل تعزيز هيمنته على الساحة السياسية الداخلية، خصوصاً بعد امتلاكه صلاحيات واسعة، مع تحوّل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، حاز معه أردوغان سلطات واسعة، ومنها سلطات على القضاء، الذي يفترض أن يكون مستقلاً في الأنظمة الديمقراطية.مع الخطوات الدراماتيكية في السياسة الداخلية، شهدت السياسة الخارجية التركية حالة من انعدام الوزن، فقد تراجعت تركيا عن التصعيد مع روسيا (بعد إسقاط طائرة سوخوي في 2015)، بل ذهبت في خطوات أوسع في التنسيق والتوافق مع سياسات الكرملين، وهو ما تجلى من خلال «مسار أستانا»، والقبول بأجندة «اتفاق خفض التصعيد»، والتي كان واضحاً أنها ستؤدي إلى تقليل النفوذ التركي على الملف السوري، وتحديداً الجانب العسكري منه.الطموحات التركية الواسعة التي سعى أردوغان إلى تحقيقها بعد عام 2011، من خلال دعم قوى المعارضة السورية، تمّ استبدالها بمكاسب أقل وزناً، حيث قايضت تركيا ملف الغوطة الشرقية بملف عفرين، فمع خروج القوى المسلّحة من الغوطة الشرقية، أصبحت العاصمة دمشق مؤمنة بالكامل، حيث كانت الغوطة الشرقية آخر معاقل الفصائل المسلّحة في محيط العاصمة.وجد أردوغان نفسه أمام قوتين عالميتين (أمريكا وروسيا)، تتنافسان في جواره، وهو ما قلّص هامش المناورة أمامه، فواشنطن، بما لديها من أوراق ضغط، لم تكن مستعجلة في الوصول إلى اتفاقات واضحة وناجزة مع أنقرة، في الوقت الذي كانت فيه أنقرة، ولا تزال، في سباق مع الوقت، لتأمين مصالحها الأمنية، ومحاولة الحصول على جزء من «الكعكة السورية» المرّة.يعلم أردوغان تماماً أن ذهابه نحو تحالف كامل مع موسكو، يتناقض تماماً مع المصالح الاستراتيجية التركية، فعدا عن العداء التاريخي بين تركيا وروسيا، فإن روسيا غير قادرة على تأمين مصالح كبرى لتركيا، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والمصارف والأسواق والاستثمار المتبادل، بالإضافة إلى أن أي خطوات تقارب أكبر بين أنقرة وموسكو، كفيلة بزيادة حجم الضغوطات الأمريكية على تركيا.في الشمال الشرقي من سوريا، كان أقصى ما استطاع أردوغان أن يقنع فيه الأمريكان، هو شبه «منطقة آمنة»، على منوال «اتفاق منبج»، أي الاشتراك في الإشراف العسكري على تلك المنطقة، مع وقف التصعيد ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، المدعومة أمريكياً، ولم يكن نصيب تركيا من الإخفاق في إدلب، أفضل حالاً من منبج، وشرق الفرات، فعلى الرغم من كون المدينة ضمن «اتفاق خفض التصعيد» إلا أن روسيا وقوات النظام تضغطان جوّاً وبرّاً. في حزب «العدالة والتنمية»، بدأ الصراع يطفو على السطح بين أردوغان وشخصيات بارزة في الحزب، مثل رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، وقد وصل هذا الخلاف إلى ذروته، مع تحويل أوغلو إلى لجنة انضباط الحزب، من أجل فصله، ومعه ثلاث شخصيات برلمانية، وهو ما يؤكد أن ارتدادات السياسات الخاطئة لأردوغان وصلت إلى عقر داره الحزبي.يكابر الرئيس التركي، ويصرّ على سياساته، فلم يقبل بهزيمة حزبه في إسطنبول في الانتخابات البلدية الأولى، فشكّك في نزاهة الانتخابات، وضغط من أجل إعادتها، وكانت الخسارة الثانية، وهو ما أظهر عناد الخصوم المحليين، وإعادة تمتين تحالفاتهم، تمهيداً لكسب معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، والعمل على الحدّ من الخسائر التركية، وتصحيح مسار البوصلة سياسياً واقتصادياً، بعد أن أفقدتها سياسات أردوغان اتجاهها الصحيح، ووضعت تركيا أمام أزمات حادّة، اقتصادياً وسياسياً ومؤسساتياً، قد لا يكون من الممكن مواجهتها، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في عام 2011. husammiro@gmail.com

مشاركة :