أكتب هذا من الرياض بعد لقاءات مع كل أطياف العمل السياسي اليمني. فبعد 54 شهرا من بدء الحرب في اليمن، ورغم كل الجهد العسكري المبذول، والمساعي التي بذلتها الأمم المتحدة، والنداءات لحوار يضع البلد على مسار سلام يجنّب الأجيال القادمة ويلات نزيف الدماء والدمار والأحقاد والثارات، فقد حان الوقت لمحاولة التفكير بمنهجية مختلفة عن المألوف. لا أشك للحظة أن ما حدث في 21 سبتمبر 2014 كان لحظة فارقة في التاريخ اليمني المعاصر، حيث أدى تراخي المؤسسات الرسمية ثم تعامل الأحزاب السياسية معه إلى إحداث أمر واقع تقبلته لترتيب أوضاعها الخاصة بحسب “اتفاق السلم والشراكة” الذي كان في مضمونه اتفاقا لنقل السلطة إلى يد جماعة مسلحة شابة لا تحمل صفة شرعية. إنني أتصور، وأظنها قناعة الكثيرين، أن الحرب الدائرة: 1- في عمقها صراع على السلطة بأدوات عسكرية. 2- هذه الحرب ستترك آثارا سلبية عميقة ومزمنة في نفوس اليمنيين لما تسبّبت به من دماء ودمار غير مسبوقين في تاريخ اليمن والإقليم. 3- هي حرب نفوذ بين القوى الإقليمية الكبرى. 4- تعبير عن فشل سياسي يتحمل مسؤوليته الذين أداروا البلاد خلال الفترة الانتقالية. 5- نتاج طبيعي لفشل سبق الفترة الانتقالية في تأسيس وترسيخ قواعد العمل المؤسسي، وانتشار الفساد وتحكم فئة صغيرة في سياسة واقتصاديات الوطن وهو تحكم استمر مع الوافدين إلى السلطة. 6- نتيجة حذّر منها البعض عن غياب دول الجوار في الالتفات إلى اليمن كدولة مهمة ومحورية في الصراع الإقليمي، وهدف ضعيف المقاومة لمحاولات الاختراق من المنافسين للإقليم العربي على النفوذ. 7- نتيجة إهمال إقليمي لتنمية أكبر مورد بشري وزراعي في المنطقة، والاكتفاء بالهبات والمنح والقروض، بدلا من وضع خطة طموحة لرفع المستوى المعيشي للمواطن اليمني ليشعر بأهمية الإقليم، بدلا من التعامل معه كمتلق لمساعدات إنسانية. إن الاعتراف بمبدأ الشرعية الدستورية هو أمر مفروغ منه رغم كل الملاحظات والانتقادات للذين يمثلونها وعدم أهليتهم وكفاءاتهم، لكنني أعيد القول إن كافة القيادات من كل الأطراف تتحدث عن كون المحاولات العسكرية لم، ولن تتمكن، من الإعلان عن منتصر في الحرب، وأن الخسائر البشرية والاقتصادية والمالية ستلقي بظلالها على مستقبل الأجيال في الإقليم ولن يكون هيّنا، وربما سيصبح متعذرا، أن تستعيد المنطقة سلمها الاجتماعي قريبا. إننا بحاجة إلى التفكير عاليا والبحث عن حلول قد يراها البعض انتقاصا من مكانته السياسية أو تعبيرا عن عجز في الحسم أو محاولة لتثبيت أمر واقع بغير إرادة وطنية جامعة. ولذلك أضع المقترحات التالية: 1- إن المبادرة الخليجية لم تعد صالحة الآن بعد أن تغيّرت كل الحقائق على الأرض؛ وعليه يجب الاتفاق على إطار جديد يستوعب الخارطة السياسية الحالية. 2- إن القرار 2216 هو الغطاء لاستمرار هذه الحرب واستمرار السلطة بشكلها الحالي؛ ما يستوجب البحث عن إدخال تعديلات عليه تفي بمتطلبات مرحلة جديدة تختلف كل معالمها عمّا بدأت به في مارس 2015. 3- هناك شبه إجماع على عجز السلطة الحالية وفسادها وانعدام قدرتها على التفكير الإيجابي وانعدام خيالها السياسي. 4- إن الشرعية الحالية لا تتمتع بحاضنة شعبية ولا تعتمد في استمرارها إلا على الدعم الإقليمي الذي صار هو نفسه يرى فيها جسدا مترهلا فاسدا وعبئا ثقيلا؛ ومن هنا صار لزاما التفكير الجاد في البحث عن جسد قادر على مواجهة الواقع كما هو، دون معارك مع طواحين الهواء. هي أفكار وليست قرارات، كل ما أتمناه هو مناقشتها والبحث فيها دون تشنّج ولا تعصّب، ولا تمترس خلف جمود عقائدي أو حزبي.
مشاركة :