إذا كانت مؤسساتنا الدينية تحرص على نشر حقيقة الإسلام ومواجهة الفكر المنحرف وتتبنى استراتيجية كاملة لمواجهة التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية مثل داعش وغيرها، فمازال السؤال يطرح نفسه:أما زالت المؤسسات الدينية في مصر قادرة على إحداث ثورة تجديدية على مستوى الأفكار والمفاهيم حتى نواجه الإرهاب والفكر المتطرف؟وما السبيل لإزالة العقبات المانعة من التجديد؟!لا سيما_في الأونة الأخيرة_وقد أضحى الأزهر الشريف محلا للهجوم والنقد الطبيعيين كلما جدد الوجه الدموي للإسلام السياسي حضوره في مصر!لا ريب أن الأزهر الشريف ساهم في «تديين» الفضاء العام عبر تاريخه وإن كانت تعوقه المشكلات بين الفينة والأخرىحرية وتنوع قلما عرفتهما مصر شكّلتا وعي الأزهري كما شكّلتا وعي غيره وأوصلنا غيابهما إلى ما نحن فيه اليوملقد لعب الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بالإسلام السياسي تاركًا له مساحة تمتد وتضيق من العمل السياسي والمجتمعي، وكذلك ترك مساحة لجماعات محسوبة على السلفيين طالما بقوا خارج العمل السياسيويتبادر للذهن السؤال:هل يغذي الأزهر مباشرةً الإسلام السياسي وخطابه العنيف؟بالطبع لا .أبرز الجهاديين المصريين، أيمن الظواهري خريج كلية طب قصر العيني.حسن البنا (تلميذ محمد رشيد رضا) كان درعميًا (أي خريج كلية دار العلوم، جزء من جامعة القاهرة منذ 1946)سيد قطب تخرج في الكلية نفسها. مرشد جماعة الإخوان الإرهابية كان طبيبا بيطريا نائبه القائم بأعماله طبيب، وكذلك رجل الجماعة خيرت الشاطر.جل مرشدي جماعة الإخوان منذ إنشائها من غير الأزهريين وحضورهم (أي الأزهريين) في مكتب الإرشاد لم يبرز يومًا.ولنا أن نتساءل هنا وللمرة الثالثة:أين الأزهر، وتحديدًا كلياته الشرعية بين هؤلاء؟في الحركات الجهادية اشتهر اسم أزهري واحد: (الراحل) عمر عبدالرحمن، وارتباطًا بـ «الإخوان المسلمين»برزت أسماء (الراحلين) السيد سابق و (في مراحل محددة) محمد الغزالي وأحمد حسن الباقوري و (ممن معنا اليوم) داعية الإرهاب يوسف القرضاوي!وهذا يعني أن الأزهر وخريجيه براء من أي تعاطف مع الإسلام السياسي .....أضف إلى ذلك أن الفقيه الأزهري ابن مدرسة تقوم على تعدد المذاهبفعلى كل من يسير نحو إضعاف الأزهر، كمؤسسة فقهية تحديدًا، أيًا كان نقدنا له، أن يفكر في البدائل الأسوأ!صحيح أن آراءً تصدر من أزهريين تبدوا قادمة من زمن آخر! لكن من جهة، لا يمكن اختصار الأزهر المتعدد المذاهب في أي من أبنائه،ومن جهة أخرى واهم من يعتقد أن فتاوى يعتد بها تصدر بالأمر، ناهيك بأن مظهر الخنوع تدمير للمصداقية ومن ثم لسلطة أي مؤسسة دينية.يستطيع الأزهر احتكار الفتوى وهذا حقه المكفول له بحكم مرجعيته الدينية الكبيرة لكنه يستطيع، وربما واجب عليه، إعلام الناس بتعقيدات استنباطها، وبأنها، مرة أخرى، كثيرًا ما تنتج اراءً متباينة فيها من الترجيح أكثر مما فيها من اليقين.كما تدل طبيعة الأزهر نفسها حيث يتجاور طلبة المذاهب السنية الأربعة على مقاعد الدراسة.نعم، الفقه داخل الأزهر كما عند غيره في حاجة مستديمة للتجديد ومواكبة ما نعيش، لكن الأهم ثقافة المتلقي غير الناقد.السياق هو المحك وطبيعة المخاطَب (بفتح الطاء) وحدود معرفته أهم من فكر المخاطِب (بكسر الطاء).التحدي ليس في مواجهة تديين الفضاء العام بقدر ما هو في الثقافة السائدة، الآتية من خارج الأزهر، التي تحدد طبيعة هذا التديين، وتحديدًا في مفاهيم تنظر بعين الشك إلى كل اختلاف.وبعد إصدار وثيقة «تجديد الخطاب الدينى» بعد المطالبات المستمرة للرئيس عبدالفتاح السيسى، دعا فى أكثر من لقاء إلى ما أطلق عليه «ثورة دينية» بهدف نشر المفاهيم الدينية الصحيحة والوجه السمح للدين الإسلامى فى مواجهة تيارات القتل والعنف والتخريب، قائلا:«ليس معقولا أن يكون الفكر الذى نقدسه على مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير فى الدنيا كلها» ولكن إذا كانت تحركات الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف خطوات لها صداها الفكري والثقافي نحو تجديد الخطاب الدينى فهذا هو الدور المنوط من الأزهر الشريف جامعا وجامعة.... ورغم ما أشرنا إليه في مقالنا السابق والذي جاء بعنوان: (تجديد الخطاب بين اليأس والرجاء) من قصور الخطاب الديني وتراجع دور الأوقاف دعويا وفكريا وذلك بعدم مواكبة متطلبات وقضايا العصر ميدانيا وفكريا،إلا أنه يتبقى سرعة التحرك ميدانيا وفكريا بانقاذ ما تبقى من رمق والتصدى للمتطفلين على منبر الفكر المستنير، وكذلك سرعة التحرك لانطلاق قناة الأزهر الشريف الفضائية والتي طالما طال انتظارها لتكميم أفواه الناعقين بالضلال وما أكثرهم.
مشاركة :