عادت السلطات الجزائرية إلى اعتقال معارضي رؤيتها للخروج من الأزمة العاصفة بالبلاد منذ فبراير الماضي، وهو ما يهدد بنسف مناخ التهدئة الذي بدأ يسود خلال الأيام الماضية بعد إطلاق سراح عدد من النشطاء. وأحال قاضي التحقيق الناشط السياسي كريم طابو على السجن المؤقت بتهمة التأثير على معنويات الجيش، وذلك بعد توقيفه من طرف عناصر أمنية بالزي المدني أمام مسكنه الأربعاء، بضاحية الدويرة بالعاصمة، ليكون بذلك ثاني شخصية سياسية تسجن بعد رئيسة حزب العمال لويزة حنون. وينتظر أن يكون القرار تحولا لافتا في المشهد الجزائري، باشتداد القبضة الحديدية بين السلطة التي تسرع خطاها نحو تنظيم انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجاري، وبين قوى المعارضة الشعبية الرافضة لمساعي السلطة وللمخارج التي تفرضها للخروج من الأزمة. وأخذ القرار أبعادا جهوية وعرقية في الشارع الجزائري، بعد تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى مرحب بتوقيف وسجن كريم طابو، بدعوى خدمة الأغراض والأجندات الضيقة في الداخل والخارج، وبين مندد يزعم استهداف السلطة للمكون البربري، فبعد حظر الرايات الأمازيغية في المسيرات الشعبية جاء الدور على الناشطين المنحدرين من منطقة القبائل. ويعد كريم طابو من المعارضين السياسيين الراديكاليين الذين يرفضون كل تصورات السلطة في حلحلة الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ سبعة أشهر، لكنّ كثيرين يتهمونه بالعمالة للمصالح الفرنسية، وخدمة لوبيات المال السياسي في البلاد، في إشارة إلى رجل الأعمال المسجون يسعد ربراب والذي يعد أحد الأطراف التي يتهمها الجيش بالسعي نحو تأزيم الأمور. السلطة عازمة على الذهاب إلى الاستحقاق الرئاسي بشتى الوسائل وفي التوقيت الذي حددته، دون أخذ التصورات المعارضة بعين الاعتبار ويسود الوضع الجزائري قلق متصاعد مما أسماه رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري بـ”خنق الحريات السياسية والإعلامية في البلاد، قياسا بما كان سائدا في الشهور الماضية”، وهو ما تجسد في توقيف منسق الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي، والتعتيم على الحراك الشعبي، بعدما صارت وسائل الإعلام الحكومية وحتى الخاصة تزعم بأن “المسيرات الشعبية تطالب بتسريع وتيرة الانتخابات الرئاسية”. وصرح العقيد المتقاعد العربي شريف لوسائل إعلام محلية بأن “70 بالمئة من الجزائريين يطالبون بالذهاب لانتخابات رئاسية”، في تلميح إلى أن الرافضين لها هم أقلية سياسية وشعبية، وهو الطرح المتداول على نطاق واسع لدى الدوائر والقوى الموالية للسلطة، لكنها لم تقدم مصدر الإحصائيات التي تستند إليها، ولم توضح إن كانت مستقلة أو هي تقارير لمؤسسات رسمية. وجاءت التطورات الأخيرة في المشهد الجزائري بالتزامن مع الهجوم العنيف الذي شنه الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، في كلمته الأخيرة من مقر الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة، ضد من وصفهم بـ”الشرذمة” و”أذناب العصابة”، في إشارة إلى المعارضة والحراك الشعبي الرافض لإجراء الانتخابات الرئاسية بالشكل الحالي. وشدد قائد أركان الجيش على أن “وضع البلاد على السكة الصحيحة يستوجب بالضرورة تحديد الأولويات، ولا شك أن الأولوية التي تفرض نفسها في هذه الظروف التي تمر بها الجزائر، هي إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد.. كنا قبل الآن نتكلم عن ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، أما اليوم فإننا على يقين تام بأن هذه الانتخابات ستتم في الآجال المحددة لها”. وهو الأمر الذي يؤكد عزم السلطة على الذهاب إلى الاستحقاق الرئاسي بشتى الوسائل وفي التوقيت الذي حددته، دون الأخذ بعين الاعتبار التصورات المعارضة، سواء كانت مبادرات سياسية مستقلة أو حزبية، أو الاستجابة لمطالب الشارع المطالب بالتغيير الشامل وتنحي السلطة. وأضاف “بفضل قوة إدراك الشعب لخفايا أجندة بعض الأطراف المعروفة التي لا تمت بأي صلة لمصلحة الشعب الجزائري، أجندة أمليت عليها من طرف جهات معادية للجزائر قوامها بذل كل الجهود المغرضة من أجل تعطيل الحل الدستوري، أي تعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية، لأن هذه الأطراف المعادية تدرك جيدا أن إجراء الانتخابات الرئاسية يعني بداية فتح أبواب الديمقراطية بمفهومها الحقيقي”. ولفت إلى أن “هذا ما لا يعجب هذه الشرذمة التي تتصرف بمنطق العصابة المتمثل في تطبيق مبدأ التغليط والاختباء وراء شعارات أصبحت اليوم مفضوحة أمام الرأي العام الوطني.. هذه الشعارات التي تتغنى بالديمقراطية من جهة، وتعمل بكل ما في وسعها من أجل عدم بلوغها من جهة أخرى”. وأردف “هذه الشرذمة الضالة التي تريد أن تفرض رؤيتها المنحرفة على أغلبية الشعب الجزائري، من خلال توظيف فروعها الإعلامية داخل وخارج الوطن وتجنيد بعض الأبواق المأجورة التي تنعق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، هذا علاوة على التسخير المغرض للمسيرات الشعبية والطلابية عبر المواظبة على تصدر هذه المسيرات والحرص على رفع بعض الشعارات الفارغة، بصفة متكررة، تخدم رؤيتهم السقيمة وتتماشى تماما مع ما ترمي إليه أهدافهم”. وسرعت الحكومة خطاها لتهيئة المسوغات القانونية والتشريعية للانتخابات المذكورة، حيث يتم عرض مشروعي قانون، إنشاء سلطة تنظيم ومراقبة الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات على البرلمان، وسط جدل حول دستورية المشروعين،في ظل صدام متوقع بين القانونيين وبين مضمون الدستور في بعض البنود. وفي المقابل توعد ناشطو الحراك الشعبي ومتعاطفون مع المعارض الموقوف كريم طابو، بتصعيد الاحتجاجات الجمعة لإجهاض مخطط السلطة والضغط عليها لوقف حملة التضييق على المعارضة والناشطين السياسيين، والاستجابة للمطالب المرفوعة طيلة الأشهر الماضية.
مشاركة :