قال الله تعالى في سورة الملك: بسم الله الرحمن الرحيم: «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ، ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ» (الملك 1-5). قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسير تلك الآيات: (تبارك الذي بيده الملك): أي: تعاظم وتعالى وكثر خيره، وعم إحسانه، ومن عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه ويتصرف فيه بما شاء من الأحكام القدرية والأحكام الدينية التابعة لحكمته ومن عظمته وكمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء؛ وبها أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسموات والأرض. (وخلق الموت والحياة) أي قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم) انتهى. فالموت والحياة من أسراره التي وضعها في مخلوقاته، فالحياة على الأرض قائمة على الموت والحياة، فكل كائن حي تتحكم فيه عمليات الأيض المكونة من الهدم (أي الموت) والبناء (أي الحياة)، فكل دقيقة تموت آلاف الخلايا الحية في جسم الإنسان والحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة، وهذا من دلائل قدرة الله، كيف تموت الخلايا بعد أن تؤدي دورها الحيوي وفي الوقت نفسه تحيا آلاف الخلايا الحية، وتتحول المواد الغذائية الميتة من الموت إلى الحياة فور عبورها غشاء الخلية الحية. فهذا الغشاء بمثابة معبر الحياة، يخرج منه نواتج عمليات الهدم، وتعبر إلى داخله متطلبات عمليات البناء أي الحياة، وهذا الفعل الحيوي يسمى بالأيض (Metabolism)، وهو يتكون من الهدم (Catabolism) والبناء (Anabolism). فالله تعالى خالق الموت وخالق الحياة، وكتب الموت على الكائنات الحية، وكتب لها الحياة، وجعل الحياة للإنسان (ليبولكم أيكم أحسن عملا) أي: أخلصه وأصوبه وذلك أن الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار (الدنيا)، وأخبرهم أنهم سينتقلون منها (بالموت)، وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن إنقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله (تعالى) له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء) انتهى. فالله تعالى وهب الإنسان الحياة، وخلق له النعم المعينة له على الحياة لكي يختبرهم أيهم أحسن عملا، والعمل الحسن يشمل كل مناشط الحياة التي يقوم بها العبد من تحصيل العلم النافع وتطبيقه في تعمير الحياة وفق قوانين الله، ولن يكون عمله أحسن إلا إذا كان صوابًا على منهاج علمي وشرعي صحيح فشرط قبول الأعمال وتحسينها عند الله أن تكون النية فيها لله (أي خالصة)، وأن تكون صوابًا فإن كانت خالصة ولم تكن صوابًا لا تقبل عند الخالق سبحانه وتعالى، وإن كانت خالصة لله ولم تكن صوابًا على منهاج علمي وشرعي سليم ردت على صاحبها ولا تقبل عند الله. فالمعلم عليه حتى يقبل عمله عند الله أن تكون النية فيه لله، وأن يكون عمله على منهاج علمي وتربوي صحيح صواب. والطبيب لا يتقبل عمله عند الله إلا إذا كانت النية في تنفيذه خالصة لله، وأن يكون على منهاج علمي سليم حسب ما يقرره ويعترف به المختصون في فرع الطب الذي يعالج به المرضى ومن عمل بالطب ولم يكن دارسًا له دراسة علمية معتمدة من كليات الطب رد عليه عمله وكان مسؤولاً أمام الله عن الأضرار التي تلحق بالأبدان والأرواح التي تولى علاجها، وفي هذا رفض شرعي للأدعياء والدجالين والمعالجين المشعوذين الجاهلين غير المعتمدين من كلية طب معتمدة، وأن يعطى رخصة لممارسته الطب من وزارة الصحة في البلد التي يعمل فيها. والمهندس الذي يشيد البنايات والمؤسسات والمصحات والمدارس والجامعات وهو غير مؤهل هندسيًا وعلميًا لهذا العمل رد عليه عمله وأصبح ضامنًا لأي خلل في العمل. وهكذا كل عمل يقوم به الإنسان لا بد أن يكون صوابًا على منهاج علمي وشرعي صواب، وتكون النية فيه لله سبحانه وتعالى، وبذلك يمنع الإفساد في الأرض، والغش، والدجل وتعمر الأرض على أساس علمي وشرعي سليم، وأعطانا الله سبحانه وتعالى درسًا في العلم والإتقان والإحكام في الخلق، بخلقه سبحانه وتعالى السموات بلا خلل، وعلى الإنسان دراسة هذا الإحكام وتكرار الفحص والدراسة العلمية ليتأكد من الإتقان والتقدير والإبداع في خلق السموات وما بها من نجوم وأجرام تزين السماء ويستخدمها الإنسان في التقويم والحساب ومعرفة الإتجاهات، وهي تقوم بردع الشياطين بشظاياها الحارقة، وهذا درس إلهي في العمل المتقن، الأحسن، فمن أراد أن يقبله الله تعالى عليه بالعمل الصالح في كل مناشط الحياة وعليه بالتوبة عما عمله على غير علم ومن دون نية. خالصة لله (وهو العزيز) الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الكائنات وانقادت له كل المخلوقات (الغفور) عن المسيئين والمذنبين إذا تابوا وأنابوا فإنه يغفر ذنوبهم) (الشيخ عبدالرحمن السعدي). ومن شروط التوبة الإصلاح والتبين وإعطاء الحقوق لمن تضرر بالعمل غير الصالح الذي تسبب فيه بعمله العشوائي غير العملي وغير الشرعي.
مشاركة :