«ليبلوكم أيكم أحسن عملا»..

  • 9/16/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

من‭ ‬المآسي‭ ‬والمصائب‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بنا‭ ‬تضييق‭ ‬المفهوم‭ ‬الشامل‭ ‬للعمل‭ ‬الصالح‭ ‬وقصره‭ ‬على‭ ‬العبادات‭ ‬المحض‭ ‬من‭ ‬الحج‭ ‬والعمرة‭ ‬والصلاة‭ ‬والصيام،‭ ‬وبهذا‭ ‬الفهم‭ ‬القاصر‭ ‬للعمل‭ ‬الصالح‭ ‬فصل‭ ‬المسلمون‭ ‬دينهم‭ ‬عن‭ ‬سلوكهم‭ ‬وحياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬وانشغلوا‭ ‬بتلك‭ ‬الجوانب‭ ‬المحدودة‭ ‬للعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسة‭ ‬لتخلفنا‭.‬ وبالبحث‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬العلمي‭ ‬والعملي،‭ ‬قال‭ ‬الكفوي‭ ‬في‭ ‬الكليات‭: ‬العمل‭: ‬المهنة‭ ‬والفعل،‭ ‬والعمل‭ (‬يشمل‭) ‬أفعال‭ ‬القلوب‭ ‬والجوارح،‭ ‬ولا‭ ‬يقال‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عن‭ ‬فكر‭ ‬وروية،‭ ‬ولهذا‭ ‬قرن‭ (‬العمل‭) ‬بالعلم‭ ‬حتى‭ ‬قال‭ ‬بعض‭ ‬الأدباء‭ ‬قلب‭ ‬لفظ‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬لفظ‭ ‬العلم‭ ‬تنبيها‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬مقتضاه،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬العمل‭ ‬صالحا‭ (‬ومقبولا‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭) ‬إلا‭ ‬بتوافر‭ ‬شرطين‭: ‬الإخلاص‭ ‬لله،‭ ‬والصواب‭ ‬في‭ ‬الأداء،‭ ‬وبالطبع‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الكسب‭ ‬الحلال‭ (‬موسوعة‭ ‬نظرة‭ ‬النعيم‭ ‬في‭ ‬مكارم‭ ‬أخلاق‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭).‬ قال‭ ‬الماوردي‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬الدنيا‭ ‬والدين‭ - ‬أصول‭ ‬المكاسب‭ ‬الزراعة‭ ‬والتجارة‭ ‬والصنعة‭.‬ قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬وَالذِينَ‭ ‬ءَامَنُواْ‭ ‬وَعَمِلُواْ‭ ‬الصَّالِحاتِ‭ ‬أُوْلئِكَ‭ ‬أَصْحابُ‭ ‬الْجَنَّةِ‭ ‬هُمْ‭ ‬فِيهَا‭ ‬خالدون‭) (‬البقرة‭ ‬82‭).‬ وقال‭ ‬تعالى‭: (‬إِنَّا‭ ‬جَعَلنَا‭ ‬مَا‭ ‬عَلَى‭ ‬الْأَرْضِ‭ ‬زِينَةً‭ ‬لَّهَا‭ ‬لِنَبْلُوَهُمْ‭ ‬أَيُّهُمْ‭ ‬أَحْسَنُ‭ ‬عَمَلًا‭) (‬الكهف‭ ‬7‭).‬ وقال‭ ‬تعالى‭: (‬أَمَّا‭ ‬السَّفِينَةُ‭ ‬فَكَانَتْ‭ ‬لِمَسَاكِينَ‭ ‬يَعْمَلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬الْبَحْرِ‭ ‬فَأَرَدْتُ‭ ‬أَنْ‭ ‬أَعِيبَهَا‭ ‬وَكَانَ‭ ‬وَرَاءَهُمْ‭ ‬مَلِكٌ‭ ‬يَأْخُذُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬سَفِينَةٍ‭ ‬غَصْبًا‭) (‬الكهف‭ ‬97‭).‬ وقال‭ ‬تعالى‭: (‬وَجَعَلْنَا‭ ‬فِيهَا‭ ‬جَنَّاتٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬نَخِيلٍ‭ ‬وَأَعْنَابٍ‭ ‬وَفَجَّرْنَا‭ ‬فِيهَا‭ ‬مِنَ‭ ‬الْعُيُونِ‭ (‬34‭) ‬ليَأْكُلُوا‭ ‬مِنْ‭ ‬ثَمَرِهِ‭ ‬وَمَا‭ ‬عَمِلَتْهُ‭ ‬أَيْدِيهِمْ‭ ‬أَفَلَا‭ ‬يَشْكُرُونَ‭ (‬35‭) (‬يس‭ ‬34‭-‬35‭).‬ الآيات‭ ‬السابقات‭ ‬تؤكد‭ ‬أهمية‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭ ‬بمفهومه‭ ‬الشامل‭ ‬لتعمير‭ ‬الكون‭ ‬بنواميس‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الخلق‭ ‬وبما‭ ‬قدر‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬أقوات‭ ‬وقوانين‭ ‬تصلح‭ ‬لتعمير‭ ‬الأرض‭ ‬بالزراعة‭ ‬والصناعة‭ ‬والتجارة‭ ‬والعمران‭.‬ أما‭ ‬نحن‭ ‬فقد‭ ‬أهملنا‭ ‬المفهوم‭ ‬الشامل‭ ‬للعبادة‭ ‬واهتممنا‭ ‬ببناء‭ ‬المساجد‭ ‬وزخرفتها‭ ‬وأهملنا‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والحدائق‭ ‬العامة‭ ‬وطباعة‭ ‬كتب‭ ‬العلم‭ ‬النافع‭ ‬ونشرها،‭ ‬وانتشرت‭ ‬مطبوعات‭ ‬التسبيح‭ ‬والرقى‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬مطبوعات‭ ‬العمل‭ ‬وإتقانه‭ ‬والصناعة‭ ‬وأهميتها‭ ‬لرقي‭ ‬المسلمين‭ ‬وتقدمهم،‭ ‬والزراعة‭ ‬وقيمتها‭ ‬الشرعية،‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬وأهميته‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬وقوانينها‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬العشوائية،‭ ‬وعندما‭ ‬يموت‭ ‬المسلم‭ ‬يقوم‭ ‬ورثته‭ ‬وأحباؤه‭ ‬بطبع‭ ‬كتاب‭ ‬الحصن‭ ‬الحصين‭ ‬ولا‭ ‬يطبعون‭ ‬كتابا‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬وإتقان‭ ‬العمل‭ ‬وعلو‭ ‬الهمة‭ ‬والالتزام‭ ‬بقواعد‭ ‬السير‭ ‬والسياقة‭ ‬في‭ ‬الطرق،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالبيئة‭ ‬وأهمية‭ ‬التشجير‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والغذاء،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الفهم‭ ‬الخاطئ‭ ‬والمنقوص‭ ‬للعمل‭ ‬الصالح‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬الَّذِي‭ ‬خَلَقَ‭ ‬الْمَوْتَ‭ ‬وَالْحَيَاةَ‭ ‬لِيَبْلُوَكُمْ‭ ‬أَيُّكُمْ‭ ‬أَحْسَنُ‭ ‬عَمَلًا‭ ‬وَهُو‭ ‬الْعَزِيزُ‭ ‬الْغَفُورُ‮»‬‭ (‬الملك‭ ‬2‭).‬ الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬بدأ‭ ‬ببناء‭ ‬المسجد‭ ‬بأدواره‭ ‬المتعددة‭ ‬وبنى‭ ‬السوق‭ ‬للتجارة‭ ‬وتدعيم‭ ‬الاقتصاد‭.‬ ومن‭ ‬يدرس‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬الأوائل‭ ‬يجدهم‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المساجد‭ ‬والأسواق‭ ‬والمتنزهات‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬وسكن‭ ‬الطلاب‭ ‬ورعاية‭ ‬المسافرين‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬والاهتمام‭ ‬بدوابهم‭ ‬وأمتعتهم‭ ‬وأوقفوا‭ ‬الأوقاف‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬والمصحات‭ ‬والاستراحات‭ ‬وطباعة‭ ‬الكتب‭ ‬العلمية‭ ‬والتربوية،‭ ‬وكذلك‭ ‬أوقفوا‭ ‬الأوقاف‭ ‬على‭ ‬رعاية‭ ‬الحيوان‭ ‬والرفق‭ ‬به‭ ‬كوقف‭ ‬الهررة‭ ‬والقطط،‭ ‬ووقف‭ ‬الطير‭ ‬ووقف‭ ‬السلطانية‭ ‬للأواني‭ ‬التي‭ ‬تكسر‭ ‬من‭ ‬الخدم‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬مخدوميهم،‭ ‬وعينوا‭ ‬من‭ ‬ينفس‭ ‬عن‭ ‬المرضى‭ ‬ليلا‭ ‬ورعايتهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬نهارا،‭ ‬وبهذا‭ ‬الفهم‭ ‬الصحيح‭ ‬للعمل‭ ‬الصالح‭ ‬شيد‭ ‬المسلمون‭ ‬حضارة‭ ‬علمية‭ ‬إيمانية‭ ‬اجتماعية‭ ‬إنسانية‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭.‬ فالعمل‭ ‬الصالح‭ ‬يشمل‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬نافع‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬ومكلف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬وإتقانه‭.‬ جعل‭ ‬الإسلام‭ ‬تنظيف‭ ‬الطرقات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح،‭ ‬ومن‭ ‬زرع‭ ‬زرعا‭ ‬فأكلت‭ ‬منه‭ ‬الطير‭ ‬والبهائم‭ ‬والإنسان‭ ‬فله‭ ‬بذلك‭ ‬صدقة‭.‬ وإتقان‭ ‬العمل‭ ‬وتطويره‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬ الاهتمام‭ ‬بالمراجعين‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬ والالتزام‭ ‬بقواعد‭ ‬المرور‭ ‬وتنظيم‭ ‬المركبات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬ والحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬ الاهتمام‭ ‬بالبحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬ الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬والأجهزة‭ ‬المنزلية‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬ قال‭ ‬رجل‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬إنا‭ ‬قوم‭ ‬نعمل‭ ‬بأيدينا‭ ‬ونسقي‭ ‬بنواضحنا،‭ ‬وأن‭ ‬معاذا‭ ‬صلى‭ ‬بنا‭ ‬البارحة‭ ‬فقرأ‭ ‬البقرة‭ ‬فتجوزت،‭ ‬فزعم‭ ‬أني‭ ‬منافق،‭ ‬فقال‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يا‭ ‬معاذ‭ ‬أفتّان‭ ‬انت‭ (‬قالها‭ ‬ثلاثا‭)‬،‭ ‬اقرأ‭ ‬الشمس‭ ‬وضحاها،‭ ‬وسبح‭ ‬بسم‭ ‬ربك‭ ‬الأعلى‭ ‬ونحوهما‭) ‬رواه‭ ‬البخاري‭ ‬ومسلم‭.‬ وقال‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬مسعود‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬تعلموا‭ ‬فمن‭ ‬علم‭ ‬فليعمل‮»‬‭.‬ ومن‭ ‬فوائد‭ ‬العمل‭: ‬ يورث‭ ‬العفة‭ ‬ويحفظ‭ ‬الكرامة‭.‬ يبني‭ ‬المجتمع‭ ‬الصالح‭ ‬والفرد‭ ‬الصالح‭ ‬والأمة‭ ‬القوية‭ ‬العزيزة‭ ‬المهابة‭.‬ الفوز‭ ‬بالجنة‭ ‬والنجاة‭ ‬من‭ ‬النار‭.‬ صون‭ ‬ماء‭ ‬وجه‭ ‬صاحبه‭ ‬من‭ ‬السؤال‭ (‬نضرة‭ ‬النعيم‭ ‬مرجع‭ ‬سابق‭) (‬ص3051‭).‬ فمتى‭ ‬تهتم‭ ‬مناهجنا‭ ‬الدراسية‭ ‬بتصحيح‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬ونشر‭ ‬المفاهيم‭ ‬الصحيحة‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية؟ ومتى‭ ‬يشارك‭ ‬المجتمع‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المدارس‭ ‬والمصحات‭ ‬والحدائق‭ ‬العامة‭ ‬وصيانة‭ ‬البيئة‭ ‬وتنظيف‭ ‬الشوارع‭ ‬وتشجير‭ ‬الطرقات‭ ‬تقربا‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬واعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح،‭ ‬والصدقة‭ ‬الجارية‭ ‬والعبادة؟‭!!‬ إن‭ ‬الفهم‭ ‬المنقوص‭ ‬للعمل‭ ‬الصالح‭ ‬سبب‭ ‬رئيس‭ ‬لتخلفنا‭ ‬وهواننا‭ ‬على‭ ‬الناس‭. (‬انظر‭ ‬كتابنا‭ ‬يا‭ ‬بني‭ ‬اركب‭ ‬معنا‭ ‬ص‭ ‬151‭).‬ والحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭.‬

مشاركة :