جدة الشرق قدّمت الناقدة الدكتورة لمياء باعشن خلال الحلقة النقدية التي نظمها نادي جدة الأدبي أمس الأول، ورقة نقدية بعنوان (الرواية المعرفية وجدلية الحقيقة) قالت فيها: ولّد السرد المحكيات الرومانسية، فصوّرت فنون الفروسية القروسطية وتضحيات النبلاء وانتصار المثل العليا، كما ولّد الرواية الواقعية فتبنت من منظور الفرد الواعي، واستكشفت جغرافيا العالم وتركيباته السكانية. وشكّل السرد ملامح الرواية الاجتماعية التي وجدت في المجتمع ميداناً مواتياً للاشتغال الأدبي فجالت في الطرقات وفي أقبية الأبراج المحصنة وكشفت باعشن عن الطبقات الدنيا وعن معاناتها مع الفقر والفساد الأخلاقي، كما شكل الرواية الطبيعية التي غاصت في قلب الحقول واستنشقت رحيق الزهور متوحدة مع خالقها، التي تحركت مع عنف المشاعر الرومانطيقية وتقلباتها. إنه السرد الذي كوّن الرواية المجتمعية بطقوسها الفيكتورية وتقاليدها الأرستقراطية وبقضاياها البرلمانية وبتشاكلها مع إجراءات المحاكم وتعقيدات القوانين الحقوقية، ثم الرواية الإنسانية التي استثمرت مسائل التفرقة العنصرية والتحيز ضد الأقليات وخاصة النساء والأطفال. وقد تدفع الرواية المعرفية بطلها إلى استقصاء المعرفة من الآخرين، لكنها أيضاً تحفزه على الإصغاء لصوت الحكمة داخل النفس، إن كانت المعرفة عبارة عن مدركات عقلية تتكوَّن في مجموعها من حقائق كلية يستخلصها العقل بالعلوم العقلية أو بعلوم المكاشفة، فإن الرواية المعرفية تضع حتى هذا التعريف أمام التحدي وتقدم أشكالاً متعددة من الفرضيات التي تهدِّد يقينيتها بعرض احتمال عدم قدرة البشر على إنشاء معرفة صلبة، فالبشر قد لا يعرفون العالم كما هو حقاً، وربما يعرفونه كما يبدو لهم، ومن منظور جزئي، وحسب وجهة النظر. وقد شهدت الجلسة الحوارية التي أدارها الدكتور محمد ربيع الغامدي مداخلات عدد من النقَّاد الحاضرين، منهم الدكتور سعيد السريحي والدكتور زيد الفضيل وعبدالرحمن الشهري.
مشاركة :