توقع محللون أن تحقق أسعار النفط ارتفاعات ملحوظة خلال الأسبوع الجاري على الرغم من خسائر الأسبوع الماضي، بعدما أنهى خام برنت تعاملات الأسبوع على تراجع بنحو 2.1 في المائة والخام الأمريكي هبط 3 في المائة، بسبب مخاوف تطورات الحرب التجارية وانعكاساتها على تباطؤ النمو العالمي. ويرى المحللون أن المكاسب السعرية ستكون مدفوعة من الهجوم الإرهابي على منشآت نفطية سعودية، مشيرين إلى أن تعاون وتنسيق المنتجين يقاوم تقلبات السوق خاصة مع تأكيد "أوبك" التزامها بالحفاظ على تخفيضات الإنتاج وتحديدا بعدما كشف اجتماع لجنة مراقبة الإنتاج في أبوظبي قبل أيام عن التزام واسع بين المنتجين بتضييق المعروض وتجنب عودة تخمة الإمدادات وامتصاص فائض المخزونات لإعادته إلى المستويات المتوسطة الطبيعية. في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش آي" لخدمات الطاقة، إن الإنتاج السعودي قادر على التعافي والتغلب على تداعيات هذه الهجمات، مضيفا أن "أرامكو" سبق ونجحت في تجاوز حوادث إرهابية مشابهة، مشيرا إلى القدرات الخاصة والمرنة، التي يتمتع بها الإنتاج السعودي من النفط، ما يحول دون حدوث إفراط ضار في صعود الأسعار وهو ما يحدث عادة عقب مثل هذه النوعية من الهجمات الإرهابية. ويعتقد كيندي أن منطقة الشرق الأوسط ربما تكون مقبلة على مزيد من تصاعد التوترات، وهو أمر شديد السلبية على أمن الإمدادات واستقرار السوق، لافتا إلى أن الصراع السياسي في المنطقة ونشاط الهجمات الإرهابية كانت وراء عدد من الهجمات على خطوط الأنابيب والسفن وغيرها من البنية التحتية للطاقة السعودية، وهو ما يرفع درجة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة. من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، بيتر باخر المختص في شؤون الطاقة وقوانين الشركات، إن السعودية تتعامل بكفاءة شديدة مع الأزمات، موضحا أن الهجمات الأخيرة على البنية التحتية النفطية المهمة لا تشكل قلقا للسعودية أو عملائها، حيث يحتفظ كبار مشتري النفط السعودي في آسيا باحتياطيات كافية من الخام، علاوة على قدرة "أرامكو" الواسعة على علاج الخسائر وسرعة التعافي. وأوضح باخر، أن الطلب العالمي على النفط يتجه إلى انكماش مؤثر بفعل تصاعد حدة الحرب التجارية بين واشنطن وبكين وتبادل التعريفات الجمركية التي طالت قطاع النفط أيضا، مشيرا إلى أن الصين تقوم بجهود حثيثة في تقليل الاعتماد على النفط من خلال التوسع في موارد الطاقة الجديدة والمتجددة إلى جانب زيادة وتيرة التحول نحو الاعتماد على السيارات الكهربائية، التي انتشرت بشكل واسع في الأسواق الصينية. من ناحيته، أوضح لـ "الاقتصادية"، رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة سيمنس العالمية، أن النفط الصخري أدى إلى طفرة إنتاجية واسعة في الولايات المتحدة، وكان السبب الرئيس في ارتفاع الإنتاج الأمريكي لتحتل واشنطن صدارة المنتجين في العالم بأكثر من 12 مليون برميل يوميا، كما كان العامل الوحيد الأكبر في انخفاض صافي الواردات النفطية الأمريكية إلى أقل من مليون برميل يوميا. وذكر جوتير أن احتمالات تباطؤ الإمدادات الأمريكية قائمة بقوة في الأمد القصير مع ارتفاع تكاليف الإنتاج واستنزاف المناطق المميزة، إضافة إلى بعض الاختناقات المتوقعة في خطوط نقل الأنابيب، معتبرا أن انتعاش الأسعار بسبب المخاطر الجيوسياسية قد ينعش أنشطة الحفر والاستثمار مرة أخرى في الإنتاج الصخري. بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، نينيا أنيجوبوجو المحللة الروسية، إن لدى "أرامكو" مستوى مخزونات كافيا للحفاظ على استقرار مستوى الإمدادات والصادرات، حيث لها ما يكفي من المخزونات لتغطية عدة أشهر قادمة- على الأقل أربعة أشهر بحسب بعض البيانات والتقديرات الدولية. وذكرت أنيجوبوجو أن ارتفاع المخاطر الجيوسياسية بات حقيقة مهيمنة في الشرق الأوسط ويجب أن تتحمل الأطراف مسؤولياتها للتخلص من تداعياتها، لافتة إلى أن الهجمات الإرهابية على المنشآت النفطية تثير تساؤلات حول أمن الإمدادات حول العالم، خاصة مع احتمال ارتفاع سعر البرميل بقيمة تراوح بين خمسة وعشرة دولارات. وشهدت أسعار النفط تراجعا في ختام الأسبوع الماضي، وأغلقت على خسائر، بينما طغت مخاوف تباطؤ النمو العالمي على تلميحات بتقدم محادثات حل النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وبحسب "رويترز"، فقد أنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول منخفضة 16 سنتا إلى 60.22 دولار للبرميل، في حين هبطت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 24 سنتا لتغلق عند 54.85 دولار للبرميل. وأنهى برنت الأسبوع على خسارة قدرها 2.1 في المائة، وهي الأولى في خمسة أسابيع، فيما نزل الخام الأمريكي نحو 3 في المائة في أول خسارة أسبوعية خلال ثلاثة أسابيع. ويستعد أكبر اقتصادين في العالم لإجراء محادثات جديدة ويرسلان لافتات تصالحية قبل أحدث جولة في المفاوضات. لكن أسعار النفط تبقى تحت ضغط القلق بشأن توقعات ضعف الطلب، التي قد تؤدي إلى وفرة محتملة في المعروض. وقالت كل من منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" والوكالة الدولية للطاقة، إن أسواق النفط قد ينتهي بها الحال إلى فائض في المعروض خلال العام المقبل، على الرغم من اتفاقية "أوبك" وحلفائها لتقييد الإمدادات، حيث يغطي نمو الإنتاج الأمريكي إلى حد كبير على تلك التخفيضات. وصعدت أسعار برنت نحو 12 في المائة منذ بداية 2019 بدعم من اتفاقية "أوبك" وحلفائها لخفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا. وخفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد حفارات النفط العاملة لرابع أسبوع على التوالي مع تقليص بعض المنتجين الإنفاق، ما يؤدي إلى نمو أبطأ في إنتاج الخام. وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأسبوعي، الذي يحظى بمتابعة وثيقة، إن شركات الحفر أوقفت تشغيل خمسة حفارات نفطية في الأسبوع المنتهي في الـ13 من أيلول (سبتمبر) لينخفض إجمالي عدد الحفارات النشطة إلى 733 حفارا، وهذا هو أدنى مستوى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017. وفي الأسبوع نفسه قبل عام، كان هناك 867 حفارا نفطيا قيد التشغيل في الولايات المتحدة. وتراجع عدد حفارات النفط النشطة، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، على مدار تسعة أشهر مع قيام شركات مستقلة للاستكشاف والإنتاج بخفض الإنفاق على عمليات الحفر الجديدة، بينما تركز بشكل أكبر على نمو الأرباح بدلا من زيادة الإنتاج.
مشاركة :