«الاقتصادية» من الرياض تأتي قمة مجموعة العشرين الحالية في مدينة أوساكا اليابانية، وسط تحديات اقتصادية وسياسية تعصف ببيئة النظام العالمي، تتصدرها الحمائية التجارية والرسوم الجمركية المقيدة لحركة التجارة والاستثمار، فيما يهيمن قلق متصاعد من قبل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين باتجاه الاقتصاد العالمي نحو أوضاع صعبة مع تراجع معدلات النمو. ويرى محللون غربيون أن الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة والصين، توجد مناخات غير مواتية ليس فقط للاستثمار والمستثمرين، لكن الأكثر خطورة أنها تسهم في تآكل مجموعة أساسية من القيم الاقتصادية الدولية، التي دافعت عنها المجموعة لسنوات وفي مقدمتها حرية التجارة. ولا تعد التحديات الاقتصادية الوحيدة المطروحة في الساحة الدولية الآن، ومن ثم على جدول أعمال القمة، فالعدوانية الإيرانية وتورط الحرس الثوري في تفجير ناقلات النفط، وتغول طهران تجاه العالم العربي عموما ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، وانتقال نظام الملالي من دعم الإرهاب عن طريق أذنابه في مختلف بقاع الأرض، إلى رفع الغطاء عن وجهه القبيح عبر التبجح بقدرته على حرق الأخضر واليابس إذا ما عاقبه المجتمع الدولي على أفعاله، وكل ذلك مثل خطابا أثار قلق العالم بشأن إمكانية تحقيق الاستقرار العالمي، إذا ما واصل هذا النظام عدوانه، ولم تنزع أنيابه. من هنا تأتي الأهمية الخاصة للقمة الحالية لمجموعة العشرين، التي تحولت تدريجيا من منتدى يجتمع فيه القادة لتأكيد التزامهم بالأهداف العالمية المتفق عليها فعليا، إلى مجموعة رئيسة لإدارة الأزمات الاقتصادية من خلال التعاون الدولي ومناقشة القضايا السياسية ذات الطابع الملح. على المستوى الاقتصادي تأتي قمة أوساكا على خلفية وضع اقتصادي عالمي قاتم للغاية في أعقاب خفض كريستين لاجارد المدير العام لصندوق النقد الدولي توقعاتها بتراجع النمو العالمي هذا العام، وهو ما ساندته توقعات منظمة التجارة العالمية، حيث تراجعت مؤشرات مكونات منظومة التجارة الدولية، مثل طلبات التصدير والشحن الجوي وإنتاج ومبيعات السيارات والمواد الخام الزراعية والمكونات الإلكترونية. ويقول لـ"الاقتصادية"، الدكتور أندريه مارتين أستاذ التجارة الدولية في جامعة جلاسكو، "لفهم التحديات التي تواجه مجموعة العشرين حاليا علينا فهم لحظة التأسيس، إذ أسست في أعقاب الأزمة المالية العالمية بهدف تنسيق السياسات بين الأعضاء من أجل استدامة النمو الاقتصادي العالمي، وتنظيم القطاع المالي الدولي للحد من المخاطر، ومنع الأزمة المالية من التكرار مستقبلا". ويشير مارتين إلى أنه لهذا السبب، فإن "أكثر القمم نجاحا كانت في عامي 2008 و2009 إذا أثبت قادة المجموعة قدرتهم على صياغة خطة عمل عالمية للإنعاش الاقتصادي، إذ تم رصد 250 مليار دولار موارد إضافية لصندوق النقد لدعم حقوق السحب الخاصة، و100 مليار أخرى قروض إضافية من قبل بنوك التنمية متعددة الأطراف، و250 مليار دولار لدعم تمويل التجارة، واستخدام الموارد الإضافية من مبيعات الذهب لصندوق النقد، للحصول على تمويل بشروط ميسرة لأفقر البلدان، والنتيجة وحدة عالمية في صنع القرار الاقتصادي، مكن الاقتصاد العالمي من تجاوز أزمته إلى حد كبير". ويستدرك مارتين قائلا، إن "المجموعة تواجه الآن وضعا تغيب عنه وحدة الرؤية والهدف والتدابير، وتم الانقلاب على المكاسب المحققة، وبات القادة أقل قدرة على الاتفاق على حل منسق ومشترك للتحديات، وأكبر الإخفاقات الحالية تمثلت في إسقاط التعهد بمقاومة جميع أشكال الحمائية، بل تجاوز الأمر الخلاف في الرؤية إلى صراع واضح بين القوى الرئيسة للمجموعة مثل الولايات المتحدة والصين، وهناك خلافات أخرى حادة بين دول المجموعة، لكن الإعلام الدولي لا يركز عليها كثيرا، مثل الصين، اليابان، أوروبا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي وبريطانيا". ويضيف مارتين، أن المجموعة تواجه مأزقا وجوديا في المرحلة الراهنة، وعليها أن تتجاوزه إذا أرادت الاستمرار، والتأثير في المشهد العالمي اقتصاديا وسياسيا. ومع هذا، فإن البعض لا يزال يحافظ على حد أدنى من القناعة بأن مجموعة العشرين أكثر من مجرد مبادرة تنظيمية ولدت نتيجة الأزمة المالية العالمية عام 2008، وإنما هيكل دولي يمثل إجماعا عالميا على ضرورة تحقيق التنمية والنمو، وأن المجموعة لا بد أن تعيد التركيز على أولوياتها لتعزيز التوافق في الآراء بشأن إدارة الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق، تعتقد الدكتورة لورين لوتن الاستشارية السابقة في الأمم المتحدة، أن أولويات المجموعة يجب أن تتضمن مجالين رئيسين الأول ينصب على الاستثمار في البنية التحتية لتعزيز النمو الاقتصادي، وهذا المجال لا يوجد فيه أي خلاف بين الدول الأعضاء، بل على العكس تماما، هناك اتفاق واسع بين الأعضاء العشرين حول ذلك الأمر، بل سبق أن أحرزت القضايا الفنية في هذا المجال تقدما ملحوظا بين الدول الأعضاء على حد قولها. والمجال الثاني، بحسب الاستشارية السابقة في الأمم المتحدة، هو الضغط من أجل التنسيق الدولي للحد من المخاطر التي تهدد النمو العالمي، من الآثار غير المباشرة والجانبية لسياسات بعض الدول الأعضاء، وردود الفعل من جانب البلدان الأخرى. وتقر الدكتورة لورين بأن الإجماع الدولي يتلاشى في المجال الثاني، لكنها تعتقد أن "تلاشي الإجماع الدولي واستفحال الصدام بين الصين والولايات المتحدة يتيح فرصة جيدة لإحداث حراك في موازين القوى الدولية، عبر دخول قادة دول تتمتع بالثقل الاقتصادي والرزانة الدولية والقبول العالمي مثل السعودية وجنوب إفريقيا لمحاولة إعادة الانسجام داخل المجموعة، والأهم طرح رؤية تحظى بقبول دولي لإعادة تأكيد أهمية التعاون الدولي، والعمل الجماعي للتصدي للمشكلات السياسية والاقتصادية العالمية الراهنة". فيما يقول لـ"الاقتصادية" ديفيد لويس أستاذ المنظمات الدولية في جامعة ليدز إن "دول المجموعة تمثل مجتمعة أكثر قليلا من 80 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، ونحو 75 في المائة من التجارة الدولية، وثلثي سكان الكرة الأرضية، وتلك الأرقام بقيت ثابتة نسبيا بينما تقلصت المعدلات المقابلة لدول مجموعة السبع، ومنذ تأسيسها عام 1999 في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية، لتوحيد مواقف وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية للدول الأعضاء، ثم تحولها بعد عقد من الزمان، وفي ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية، لتشمل قمة سنوية لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء، فإنها ناضلت لتحقيق النجاح، بحيث باتت تشكل تمثيلا حقيقيا وأكثر واقعية لميزان القوى الدولي الحالي، مقارنة بتكتلات أخرى تشكلت منذ أمد أطول مثل مجموعة السبع الصناعية. فالمجموعة وتأسيسها وطبيعة المشاركين فيها تمثل لحظة تحول في حكم العالم، فللمرة الأولى تجتمع الدول الرأسمالية عالية التطور والاقتصادات الناشئة بوصفهم شركاء متساوين في قمة متعددة الأطراف". ويشير لويس إلى أن "المجموعة تؤثر في سياسات الاقتصاد الكلي للدول الأعضاء، على الرغم من أن قوة التأثير تختلف في كثير من الأحيان بين البلدان، وما هو متاح لديها من إمكانيات يؤكد قدرتها على إنقاذ نظام الاقتصاد العالمي من السقوط كما حدث له عام 2008
مشاركة :