علي برهانه: لا جهود تبذل في ليبيا لجمع التراث الشعبي

  • 9/17/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الباحث الليبي علي برهانه متحصل على درجة الدكتوراه في الأدب الحديث، وهو من الداعين إلى ضرورة حماية الموروث الثقافي الليبي. فقد كانت له جهود كثيرة من أجل توقيع ليبيا على اتفاقية لصون وحماية التراث الثقافي غير المادي أبرمتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ولكن باءت محاولاته بالفشل. في العام 2003 أسس برهانه في مدينته سبها المركز الوطني للمأثور الشعبي، وهو معني بالحفاظ على الموروث الليبي بشكل عام، وللأسف هذا المركز لم يمارس مهامه التي تأسس من أجلها منذ العام 2012، بسبب الحرب وسيطرة أشخاص لا علاقة لهم بالعمل التوثيقي على النشاط الثقافي والتراثي بالمنطقة. النشأة الشعرية يقول الباحث علي برهانه “حكايتي بدأت مع الشعر الشعبي منذ الطفولة؛ فأنا أنتمي إلى عائلة اشتهرت بالشعر والشاعر عبدالمطلب الجماعي جدي الرابع، كما أن اسم ‘برهانه’ جاء لعائلتنا نتيجة للشعر، فكان والدي رحمة الله عليه راويا للشعر، ووالدتي راوية للتراث، وإخوتي وأخواتي الأكبر مني سنا وحتى الأصغر يروون الشعر، فالوسط الاجتماعي الذي نشأت فيه كان وسطا تراثيا بصفة عامة، جداتي، أعمامي وجيراني وغيرهم. نشأت في بيئة أمية تعتمد اعتمادا أساسيا على التراث بصفة عامة والشعر بصفة خاصة”. يوضح علي برهانه أن الحديث عن المرأة في الشعر الشعبي مرتبط بالموروث العربي في ذلك، فالناظر إلى الشعر الجاهلي والإسلامي يرى أن وصف المرأة لم يتغير كثيرا إلى وقت قريب، وكذلك الأمر في الشعر الشعبي، ولكن في الوقت المعاصر تغير الوضع وحظيت المرأة في القصائد الفصيحة بخطاب إنساني مختلف، أي بوصفها فردا له حضور روحي ونفسي وعقلي إلى جانب الحضور المادي وخاصة في التجارب المحكية. بحسب صاحب كتاب “الشعر الشعبي” لا أحد يستطيع تحديد بدايات الشعر الشعبي وإن كانت هناك إشارات لذلك، وهذا طبعا ينسحب على الشعر العربي بصفة عامة، فلا نعرف بدايات القصيدة الجاهلية، مستطردا “أنا أنظر إلى الشعر الجاهلي على أنه شعر شعبي وأثبتّ هذا الرأي في كتاب الشعر الشعبي المجلد الأول الذي جمعته وقدمت له، فالشعر الشعبي هو ما كان يمثل صنعة جماعية وليست فردية، وقد تطورت القصيدة الشعبية الآن إلى الشعر المحكي، وظل النمطان المحكي والشعبي يسيران معا، وهذا يذكرنا بالقصيدة العربية العمودية وقصيدة التفعيلة”. الشعر الشعبي الليبي الذي قيل أثناء الفترة الاستعمارية وخاصة في ما يتعلق بسنوات الاحتجاز الجماعي 1929ـ 1934. كانت قصيدة الشاعر رجب أبوحويش “مابي مرض” هي القصيدة الأكثر تعبيرا عن تلك المرحلة. فكان رد علي برهانه “نعم”. كانت قصيدة الشيخ بوحويش “ما بي مرض” أكمل تعبيرا عن موضوعها، وقد شاركه فيها شعراء معاصرون له مثل هيبه بوريم ومحمد بن زيدان، ولكن هناك قصائد لا تقل عنها جمالا وقدرة تعبيرية، مثل قصيدة “عليك وقت متعاكس غلب هندازه” وقصيدة “أحوال حايله بين المنام وطيبه” وغيرها. الهوية والموروث نسأل الباحث عن السبيل للحفاظ على اللهجة الليبية في ظل اختفاء بعض الكلمات من لهجتنا اليومية مثل “كل عام وأنتم بخير” والتي حلت محلها “عساكم من عواده”، وعن الدور الذي لعبته الدراما التلفزيونية في ترسيخ هذه اللهجات؟ يقول برهانه “إن ردي على هذا السؤال لن يعجب الليبيين؛ أمور كثيرة تغيرت في حياتنا الشعبية من اللباس، والكلام، إلى ثوابت الوطن، وكما لا يخفى، المؤثرات كثيرة في زمن العولمة، ولكنها ليست خاصة بنا، فتجدين جيراننا القريبين منا مثل المصريين والتونسيين والجزائريين والمغاربة متمسكين بأزيائهم ولهجاتهم بطريقة لافتة للنظر، ونحن؟ هل بقي لباس عربي لم نلبسه؟ أو لهجة لم نتكلمها؟”. ويضيف “على فكرة أنا لا أرد على الليبيين الذين يقولون ‘عساكم من عواده’ ولا على الذين يقولون ‘صح اشريبتك’ أو ‘ينعاد عليك’، إذا كانوا من معارفي أؤنّبهم، وإذا كانوا من المعارف البعيدين أسكت عنهم، لي وجهة نظر في هذا الموضوع أرجو أن لا تثير حساسية ما؛ إن وطنيتنا بحاجة إلى تقوية، وهذه إحدى مظاهر ضعفها”. يشير صاحب كتاب “سيرة بنى هلال: ظاهرة أدبية” إلى أنه لا جهود مبذولة في الوقت الحالي لجمع التراث الليبي ولا في غيره باستثناء القتال طبعا، اللهم ربما بعض الجهود الفردية، ولا نحتاج لخطوة أولى في هذا الصدد؛ عندنا رواد، رحم الله من توفي منهم ومتع الحي منهم بالصحة، قاموا بمجهودات كثيرة ومشكورة في هذا المضمار، منهم محمد احقيق، والقشاط، والنويري، وقادربوه، وفنوش، وأستاذنا الدكتور علي الساحلي، والمزوغي، وخديجة الجهمي، وليسمح لي من لم أذكر اسمه. هذا من جانب، ومن جانب آخر لدينا مركز متخصص أنشئ سنة 2003 وقام بمجهودات لا بأس بها في هذا الإطار، ولكنه تعطل بعد ثورة 17 فبراير، ثم مؤخرا استولت عليه مجموعة بالقوة طبعا وهي مجموعة لا علاقة لها بالتراث ولا تعرف عنه شيئا، وقد نشرت في صفحتي الشخصية استغاثة لليبيين ولكنها ذهبت أدراج الرياح”. يرى صاحب كتاب “الرواية الليبية: مقاربة اجتماعية” أن العلاقة بين الهوية والموروث الثقافي علاقة أساس، لأن الموروث الثقافي هو المحدد الأساسي لهذه الهوية، إلى جانب التاريخ، وكما لا يخفى على أحد، تدخل في تكوين الموروث الثقافي مكونات كثيرة منها التاريخ، واللغة، والدين، والأدب، والفن، والتراث بشقيه الفصيح والشعبي، والتعليم، والصحافة المسموعة والمرئية والمقروءة، والدراسات الإنسانية القديمة، الأنثروبولوجيا، وعلم النفس وعلم الاجتماع، وكل أشكال الخطاب الموجه وغير الموجه يدخل في تحديد الهوية، وهذه “الهوية”، كما يقول، متوقفة على ما يتمتع به الفرد من ثقافة، متى ما كان مثقفا قارئا واسع الاطلاع كان إحساسه بالتاريخ أقوى ومن ثم تمسكه بالهوية كذلك.

مشاركة :