هل هي مقدمات الحرب أم ما زال للسياسة متّسع؟عبدالباسط سيداهل أن ما جرى ويجري لا يخرج عن نطاق مقدمات حرب قادمة لا مجال لتلافيها؟ أم أنه ما زالت هناك مساحات للجهود السياسية التي يمكنها استيعاب المواقف الملتهبة، وتفادي الأسوأ؟تشكيل قوة إيرانية عسكرية بالأموال العراقية تهديد المنطقة بأسرهالمنطقة متوجهة نحو المزيد من التصعيد، بل نحو مرحلة نوعية من الصدام، إذا ما سارت عوامل التفجير في اتجاهاتها الحالية، ولم تتخذ خطوات جادة لمعالجة المواقف. هذا ما يُستشفّ من مجمل المتغيرات والأحداث الميدانية غير المسبوقة في الآونة الأخيرة؛ هذا فضلا عن التحركات والاتصالات الدبلوماسية، سواء الإقليمية منها أم الدولية. ويُضاف إلى ذلك، إصرار أصحاب مختلف المشاريع على تمهيد الطريق أمام ما يفكرون فيه، ويخططون من أجل الوصول إليه. الأوضاع في مجملها لا تبشر بالخير، وذلك في حال تعذر الوصول إلى حلول إبداعية تكون قادرة على معالجة كل التعقيدات على أساس احترام المعطيات الجغرافية والمجتمعية والمصالح المشتركة.فمع تشديد العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني بهدف ردعه، وإلزامه بضرورة الكفّ عن الاستمرار في خططه ومشاريعه التخريبية في المنطقة، بدأ الأخير يفتعل حرب ناقلات النفط، ويهدد بمنع الآخرين من تصدير نفطهم، طالما أن النفط الإيراني هو خارج أسواق التصدير.لم تقتصر التفاعلات على ذلك فحسب، بل حدثت في أكثر من مناسبة مواجهات محدودة بين القوات الإيرانية والأميركية في منطقة الخليج، وذلك في سياق عملية تبادل الرسائل، ولكن من دون وجود رغبة حقيقية لدى الطرفين نحو المزيد من التصعيد، على الأقل حتى الآن، وفي سياق الظروف الحالية.واستمراراً للتصعيدات التي تشهدها المنطقة، جاءت الضربات المتوالية التي استهدفت قواعد الحشد الشعبي في العراق، وتلك التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا؛ وهي الضربات التي تبنّت إسرائيل بعضها، في حين ظل بعضها الآخر في خانة: مجهولة المصدر.وفي المنحى ذاته كانت التحرّشات الغريبة بين إسرائيل وحزب الله في الضاحية الجنوبية، وعلى المنطقة الحدودية؛ وكانت التخريجات الأغرب التي روجها الطرفان لتفسير طبيعة ما حدث بالفعل على أرض الواقع.وتزامناً مع كل ذلك، بدأ الحديث عن سعي الحشد الشعبي الممول عراقياً، والتابع عسكرياً وسياسياً وعملياتياً لإيران، لتشكيل قوة جوية بزعم الاستعداد للتصدي للهجمات الإسرائيلية أو الأميركية، وهذا فحواه بصريح العبارة، تشكيل قوة إيرانية عسكرية كاملة العتاد والعدة على الأراضي العراقية، وبالأموال العراقية، وبتغطية سياسية قانونية عراقية. ولتهديد المنطقة بأسرها.وسط هذه الأجزاء الملبدة بالغيوم السوداء، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الانتخابية حول نيته ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية إلى السيادة الإسرائيلية، الأمر الذي ينذر بالمزيد من التعقيد والتوتر، لأنه يقطع الطريق على مشروع الحل السياسي السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر إلغاء مشروع الدولة الفلسطينية؛ كما أنه يعطي المزيد من الأوراق للنظام الإيراني، ليمارس ديماغوجية شعبوية مضللة، من أجل التغطية على مشروعه الأخطر، وذلك من جهة جسامة بنيوية التفجير المجتمعي الذي يسببه، والمساحة الأوسع التي يشملها.وفي خضم كل هذه الأحداث والمواقف، جاء الهجوم الإيراني على المرافق النفطية في بقيق وخريص، وتسبب في خفض كمية تصدير النفط السعودي إلى النصف، وهذا أمر ستكون له انعكاسات وتبعات محلية وإقليمية ودولية.الجميع الآن هم في انتظار ما ستقرره الولايات المتحدة لمواجهة الموقف. لأن المجموعة الخليجية بقدراتها الحالية وظروفها وخلافاتها، وانشغالها بالموضوع اليمني المعقد، غير قادرة بمفردها على مواجهة التهديدات الإيرانية العدوانية التي تكبر تباعاً.كما أن الموقف الإقليمي هو الآخر لا يساعد، ولا يوحي بإمكانية تشكيل تحالف بين الدول الخليجية والقوى الإقليمية الأخرى المؤثرة مثل تركيا ومصر، على سبيل المثال، لمواجهة الموقف.مصر منهكة ومنهكمة بأوضاعها الداخلية، وتتحسب للمتغيرات المحيطة بها. وتركيا تعاني من تبايناتها الداخلية، وصعوباتها الاقتصادية، وارتباك العلاقة مع الولايات المتحدة، لذلك فهي تحاول مسك العصا من وسطها. تعتمد سياسة وضع قدم عند الروس، وقدم عند الأميركان. تشارك في الصفقة حول شمال غربي سوريا ومنطقة إدلب تحديداً، ولكن عينها على المنطقة الشمالية الشرقية، والمناطق الكردية على وجه التخصيص؛ كل ذلك على أمل أن تكون جزءاً من الصفقة الدولية التي ستكون سوريا موضوعها، خاصة تلك الصفقة التي ستكون على الأرجح، إذا ما حصلت، بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل.ولعل هذا ما يفسر حرصها على التوجه نحو توثيق العلاقة مع روسيا وإيران، كما حصل في اجتماع أنقرة الأخير الذي جمع بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا، وهي الدول المعنية بمسار أستانة. ولكن تركيا في الوقت عينه مستمرة في التفاوض مع الأميركان بخصوص المنطقة الآمنة في شرقي الفرات، وهي ربما تحاول استخدام لقاءاتها مع الروس والإيرانيين للضغط على الأميركان عبر التلويح بإمكانية الانخراط في محور تحالفي جديد، ومثل هذا الأمر فيما لو حدث، سيفتح الطريق أمام عملية اصطفاف جديدة للقوى الإقليمية والدولية على مستوى منطقتنا، وربما على مستوى المناطق الأخرى من العالم، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار موضوع الصراع التجاري الأميركي الصيني، وموضوع الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، واهتزاز الثقة بين الأوروبيين (فرنسا وألمانيا بصورة خاصة) من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى. هذا فضلاً عن الصعود اللافت للقوى الشعبوية اليمينية المتشددة في مختلف المجتمعات الأوروبية وغير الأوروبية.كل هذه العوامل والمتغيرات، وغيرها، لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار إذا أردنا معرفة ملامح طبيعة القرار الأميركي الأخير الذي سيُتّخذ للتعامل مع التصعيدات الإيرانية العدوانية الاندفاعية.هل نقول إن ما جرى ويجري لا يخرج عن نطاق مقدمات حرب قادمة لا مجال لتلافيها؟ أم أنه ما زالت هناك مساحات للجهود السياسية التي يمكنها استيعاب المواقف الملتهبة، وتفادي الأسوأ؟الأمور ما زالت في مرحلة التخمينات والاحتمالات. ولكن المؤكد هو أن الإدارة الأميركية الحالية حريصة على الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهي الانتخابات التي باتت حملاتها على الأبواب، ووفقاً لما هو معروف حتى الآن، لا تُقْدم الإدارة الأميركية الراغبة في التجديد لنفسها عادة على أية خطوات من شأنها الانعكاس سلباً على حملتها الانتخابية. هل سيتجاوز دونالد ترامب هذه المرة المألوف كما فعل ويفعل حتى الآن؟لمعرفة ذلك، ليس أمامنا سوى الانتظار والمتابعة.كاتب سوري
مشاركة :