ليست هناك مساحة يمكن أن تغلق العقل أكثر من محاولة استنبات الأشواك في كل فكرة ترد إلى الذهن. بمعنى آخر تقصيها بدرجة باحث فاشل لاستخراج الأسوأ منها بقصد إقصاء الآخرين عن فهمها وتتبعها. فكل الأفكار قابلة للنقاش مبدأياً عملاً بقوله تعالى «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ» سورة البقرة آية 266. وهنا نفترض الفرق بين الانفتاح التام بلا قيود الذي في معناه يحمل الغث والسمين ويصبح كالنهر يأتي بكل ما فيه من طيب وطالح في جريانه وهو الذي يحول الأمم إلى شعوب تابعة وتظل في نموها لا تحيد عن كونها خادماً مطيعاً لمنتجات الآخرين الفكرية، ومنها ما نراه في بعض الناس من سلوكيات وتوجهات غير مقبولة على مستوى بيئاتنا العربية أو موروثاتنا الجيدة. أما انفتاح الفكر فهو الحقيقة الواقعة في قلب كل مؤمن ناضج فكرياً، قوي عقائدياً، متزن نفسياً لأنه يرى الإنصات للآخر وفكر الآخر ضرورة للتعلم والفهم ومن ثم يكون دوره فلترة ما يسمع واختيار الأفضل منه لتتكون تركيبته البشرية والفكرية بصورة متوازنة لا فيها إسفاف بالحاضر ولا إنكار للحقائق بل يظل في بصيرته يحاول فهم الأمور وتبصير الآخرين بها. وهنا تميز مفكرون مثل مصطفى محمود ومحمد شحرور وزغلول النجار ومن هم على شاكلتهم لأن هؤلاء لا تجرهم إغراءات النوافذ المفتوحة بقدر ما يتلمسون الضوء في هداية أرواحهم بما يعلمون أن العامة ينقصهم الجرأة لتلمسه. بل أكاد أجزم أن هؤلاء المفكرين هم أقرب الناس إلى حب الله ورؤية معجزاته في الأرض.
مشاركة :