في الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي الشيخة هلا: «لفجري» أول ملف بحريني أمام اليونسكو في مارس انطلقت صباح أمس أعمال الملتقى الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي، وذلك في متحف البحرين الوطني بحضور الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار، الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة الآثار والمتاحف بهيئة الثقافة والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة مدير إدارة التراث الوطني بالهيئة، إضافة إلى وجود عدد من الخبراء في مجال التراث الثقافي غير المادي والباحثين والعاملين في هذا المجال والمهتمين وصل عددهم إلى أكثر من سبعين. وتنظّم هيئة البحرين للثقافة والآثار الملتقى على مدى يومين متتالين، حيث يختتم الملتقى أعماله اليوم الاثنين الموافق 23 من الشهر الجاري. وفي كلمتها خلال الافتتاح توجّهت الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة بالشكر إلى كل المساهمين في إنجاح الملتقى، شاكرة بالأخص حرص واهتمام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار بهذا الجانب من التراث الثقافي البحريني غير المادي. وأشارت الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة إلى أن ملتقى التراث الثقافي غير المادي سيطرح العديد من القضايا القيّمة المتعلقة بالتراث الثقافي غير المادي، مؤكدة أن هذا الإرث الإنساني جزء أساسي من هوية مملكة البحرين وثقافتها الغنية والعريقة. وأوضحت أن الملتقى سيلقي الضوء على عناصر مهمة من التراث الثقافي غير المادي في البحرين كالقصص الشعبية، الخيل، الطعام التقليدي، والفنون الشعبية كغناء لفجري المشهور، مؤكدة أنه من واجب الجميع الحفاظ على هذه العناصر، بمشاركة كل أفراد المجتمع والجهات المعنية، وضمن خطّة وطنية واستراتيجية تقوم عليها هيئة البحرين للثقافة والآثار. وفي السياق ذاته، قدّم الدكتور منير بوشناقي مستشار التراث العالمي بهيئة البحرين للثقافة والآثار مداخلة عبر الفيديو توجه خلالها بالشكر إلى الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وفريق هيئة البحرين للثقافة والآثار على تنظيم هذا الملتقى الخاص بحماية التراث الثقافي غير المادي في البحرين، معربا عن أمله في أن يتوسّع الملتقى في نسخه القادمة ليشمل المنطقة العربية. وقدّم الدكتور بوشناقي سردا تاريخيا لتطوّر الجهود العالمية في حماية التراث الثقافي غير المادي منذ اتفاقية حماية التراث العالمي لعام 1972م وحتى عام 2006م، الذي تم خلاله إقرار «اتفاقية 2003م» الخاصة بحماية التراث الثقافي غير المادي رسميا، حيث أشار إلى أن هذه الجهود بدأت عام 1973م بطلب من ممثل بوليفيا بأن تتضمن اتفاقية 1972م فقرة حول حماية الفلكلور أو الثقافة الشعبية. ومنذ ذلك الحين بدأت منظمة اليونسكو بالعمل مع شركائها على دراسة إمكانية حماية الفلكلور بطرق أكثر قانونية لتنتج أول وثيقة رسمية حول حماية الثقافة الشعبية عام 1989م. وعام 1999م، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصيات اليونسكو وطالبت بتنفيذ الإجراءات اللازمة لوضع نص قانون إجباري للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، لتصدر بعد ذلك بثلاث سنوات اتفاقية عام 2003م ويتم اعتمادها عام 2006م. وقال الدكتور منير بوشناقي إنه منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وقعت على الاتفاقية 178 دولة وتم تسجيل 508 عناصر وطنية تراثية غير مادية في القائمة المعترف بها، موجودة في 122 دولة. ويأتي هذا الملتقى في ظل تصاعد أهمية زيادة الوعي لدى الباحثين والمهتمين في مجال التراث باتفاقية منظمة اليونسكو لعام 2003م، والخاصة بصون التراث الثقافي غير المادي، حيث صادقت مملكة البحرين على هذه الاتفاقية. وتشّكل اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي آلية دولية فعالة لصون وترويج التراث الثقافي البحريني، كجزء من جهود هيئة الثقافة لاستيفاء التزامات البحرين تجاه الاتفاقيات الدولية لدى اليونسكو. وفي هذا السّياق، قدّم الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة عرضا حول اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي لعام 2003م، حيث أشار إلى أن البحرين وقعّت على هذه الاتفاقية وتمكنت من الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. وأوضح الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة أن تسجيل التراث غير المادي على قائمة منظمة اليونسكو يعد جزءا مهما من الاتفاقية بالإضافة إلى الآليات الأخرى لصون التراث، مؤكدا أن هيئة الثقافة تعمل على تنفيذ جرد وطني وتكوين سجل وطني يشارك في إعداده الخبراء والمهتمون، ويشمل عناصر تراثية وطنية مناسبة لاشتراطات الاتفاقية. وتناول الملتقى في يومه الأول عنصرين من العناصر الوطنية البحرينية للتراث الثقافي غير المادي، حيث البداية كانت مع «الخيل العربية» التي تُصنّف ضمن «المعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون». وقال الشيخ أحمد بن صقر آل خليفة المقدّم الركن قائد سرية المراسم والخيالة بالحرس الملكي في مداخلته إن الخيل العربية تشكل عنصرا جماليا مهما في التراث العربي بشكل عام، مشيرا إلى أن البحرين تفتخر بعملها على المحافظة على هذا العنصر التراثي غير المادي. وأوضح الشيخ خليفة بن صقر آل خليفة أن المملكة تمتلك واحدا من أفضل أصناف الخيل العربية، مضيفاً أن موقع البحرين الجغرافي وثرواتها الطبيعية أسهمت في توفير بيئة ملائمة لتكاثر الخيل والحفاظ عليها. وبدوره قال الدكتور خالد أحمد محمد حسن وكيل وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني للثروة الحيوانية ومدير الإسطبلات الملكية إنه من المهم تسليط الضوء على الخيل العربية كموروث حضاري يجب الاهتمام به وتعريف الأجيال القادمة بطبيعته وتفاصيله. وحول الحفاظ على الخيل العربية البحرينية، قال الدكتور حسن إن البحرين تمتلك حاليا ما يتجاوز 700 جواد أصيل، مؤكدا أن الحفاظ على الإرث الثقافي جاء بتوجيهات من القيادة الرشيدة لمملكة البحرين، حيث تم إنشاء إسطبلات ومنشآت خاصة بالخيل وتوظيف القدرات المحلية والعالمية من أجل التعامل مع الخيل وإنتاجها بأفضل طريقة. أما العنصر الوطني الثاني من عناصر التراث الثقافي غير المادي والتي تناولها الملتقى فكانت «القصص الشعبية» التي تعد أحد أبرز التقاليد الثقافية البحرينية وواحدة من أشكال التعبير الشفهي الأكثر إبداعا وتُصنف ضمن «التقاليد وأشكال التعبير الشفهي». وتناولت الدكتورة ضياء الكعبي أستاذ مساعد السرديات والنقد الأدبي الحديث بكلية الآداب بجامعة البحرين «القصص الشعبية»، حيث أشارت إلى أن الحكاية الشعبية تعد نوعا سرديا شفهيا أنتجته الذاكرة الجمعية للأمم بهدف تطوير فهم أفضل للكون والأنظمة الثقافية الحاكمة للمجتمع، موضحة أن الحكاية الشعبية لم تتبنها الشعوب من أجل التسلية فقط في عصر لم تكن فيه وسائل حديثة للتواصل والترفيه، بل هي جزء مهم من الثقافة العامة وتستمد منها الشعوب قوتها وفقدانها قد يؤثر على الجذور الأصيلة للمجتمعات. وحول الحكايات الشعبية في مملكة البحرين، قالت الدكتورة الكعبي إن المملكة تتميز بتعدد بيئاتها الجغرافية وتنوع عمرانها ونسيجها السكاني، والذي أثمر نتاجا سرديا شفهيا متنوعا وغنيا. وأضافت أن ماضي الحكايات الشعبية البحرينية لم يرتبط بموسم أو طبقة معينة في المجتمع على غرار المجتمعات الأخرى حول العالم، بل كان السرد نشاطاً جماعياً مارسته مختلف الطبقات في مختلف الأوقات، موضحة أن النشاط السردي ما زال يمارس اليوم في مناطق مختلفة من البحرين كالرفاع، المنامة، المحرّق وسترة وغيرها. وأوضحت الدكتورة ضياء الكعبي أن الحكاية الشعبية تمتعت بإقبال كبير في البحرين، إلا أن انتشارها تأثر بفعل ظهور وسائل الاتصال والترفيه الحديثة. وأضافت أن للبحرين خصوصيتها في الحكايات الشعبية، رغم أن بعض هذه الحكايات قد تمتلك أصولاً عالمية، ولكن الخصوصية المحلية تتمثل في المفردات والشخصيات والبيئات. وحول واقع الحكاية الشعبية اليوم، قالت الدكتورة ضياء الكعبي إنه توجد في البحرين جهود فردية ومؤسساتية للحفاظ عليها، مشيرة إلى أن الجهود الفردية انطلقت منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم. وأوضحت أن من بين أبرز أشكال الجهود الجماعية للحفاظ على الإرث الثقافي البحريني في مجال الحكايات الشعبية، كان مشروع «الحكايات الشعبية البحرينية ألف حكاية وحكاية مشروع جمع وتدوين ميداني» والذي وثّق الحكاية الشعبية المحلية باللهجة البحرينية، واستغرقت مدة جمعه حوالي عشر سنوات. وفي تصريحات خاصة لـ«أخبار الخليج» أكدت الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة مدير عام الثقافة والفنون أهمية توثيق التراث الثقافي غير المادي للبحرين، موضحة أن المملكة وقعت مؤخرا على الاتفاقية الدولية لصون التراث غير المادي، لافتة إلى أن هناك جهدا بحثيا بحرينيا لإعداد قائمة محلية لهذا النوع من التراث، تتناول جميع هذه العناصر، وهو جهد كبير يتطلب الوقت والدراسة المستفيضة لإعداد ملف متكامل عن أي من هذه العناصر إذا ما أردنا التقدم بهذا الملف إلى منظمة «اليونسكو» لإدراج التراث الثقافي غير المادي البحريني على القائمة العالمية للتراث. وأعربت عن تطلعها أن يكون ملف «لفجري» أول ملف بحريني مكتمل يقدم إلى اليونسكو لإدراجه على القائمة العالمية للتراث غير المادي وذلك كون غناء «لفجري» هو من العناصر التراثية المتميزة التي نتجت من الإرث البحري البحريني العريق، مضيفة أننا نعمل على إكمال الدراسات لتقديم ملف متكامل بهذا الشأن في شهر مارس من العام القادم. وشددت على أن الهيئة تعمل أيضا على عناصر أخرى ضمن القائمة المحلية للتراث غير المادي للتركيز على أهمية هذا النوع من التراث واصفة إياه بالتراث الحي، إذ إنه تراث تتناقله الأجيال ويتجدد في هذه الأجيال، مشيرة إلى أن كل الجهود في المملكة سواء الرسمية أو الأهلية تعمل على تكريس هذا التراث والمحافظة عليه، وتسهم في بناء جيل واع يفتخر بهويته الوطنية. وقالت الشيخة هلا إن الجهود تضافرت من أجل انطلاقة هذا الملتقى، وحرص فريق العمل بهيئة البحرين للثقافة على إبراز مكانة التراث الثقافي غير المادي لمملكة البحرين سواء التراث الشعبي والموسيقى والأكلات الشعبية، القصص الشعبية والحرف اليدوية. ونوهت الشيخة هلا بتفاعل المجتمع المدني والاهتمام بالتراث الثقافي غير المادي في المملكة، مشيرة إلى أن مبادرة أحد أساتذة التاريخ بمدرسة الهداية الخليفية الذي قام بتشجيع الطلبة على الاهتمام بالحرف اليدوية. وأكدت أهمية العمل على وضع استراتيجية وطنية تسلط الضوء على أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي في المملكة لإنقاذ حرفة النسيج اليدوي البحريني، بحيث تتضمن إقامة ورش تدريبية للشباب على هذه الحرفة، محذرة من أن المملكة لا يوجد بها سوى شخص واحد فقط يملك مهارة هذه الحرفة، وهذا إنذار لجميع العاملين في قطاع الثقافة والحرف وصونها، حيث يجب المحافظة على هذه الحرف ونقلها إلى الأجيال الجديدة. من جانبه قال الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة الآثار والمتاحف بهيئة الثقافة إن «لفجري» كتراث غير مادي مرتبط بطريق اللؤلؤ بالمحرق كأحد المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي المادي، لذا فمن الجميل أن يكون لدينا تراث غير مادي مدرج على القائمة العالمية لهذا النوع من التراث، مشددا على أن «طريق اللؤلؤ» هو الوجهة الثقافية الأولى في مملكة البحرين. وكشف عن أن هناك ملفا عربيا مشتركا عن «النخلة» كتراث غير مادي سوف يناقش في ديسمبر القادم. ويلقي الملتقى الضوء على عناصر من التراث الثقافي البحريني غير المادي والقابلة للإدراج على القائمة التمثيلية، وسيتم تناولها بهدف التعريف بها وإعطاء المجال للنقاش من قبل المهتمين والمختصين حول سبل صونها، الترويج لها وإدراجها على القائمة التمثيلية لليونسكو. وإضافة إلى جانبه البحثي العلمي، فإن فعاليات الملتقى لن تقتصر على ندوات وجلسات متحف البحرين الوطني، بل يتضمن برنامجه جولات ميدانية وعروضا مباشرة. من الجدير ذكره أن اتفاقية عام 2003م تهدف إلى صون التراث الثقافي غير المادي تماشيا مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وتلبية لمقتضيات الاحترام المتبادل بين الجماعات وتشجيع عملية التنمية المستدامة. وعلى الصعيد الوطني، فإن الاتفاقية تدعو إلى صون التراث الثقافي غير المادي الموجود في أراضي الدولة الطرف، كما تطلب من كل دولة طرف تحديد وتعريف هذا التراث بمشاركة الجماعات والمجموعات والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة.
مشاركة :