سيناريوهات ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وتغييب الفلسطينيين

  • 9/24/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لم تختلف نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت للمرة الثانية هذه السنة عن تلك التي أجريت في شهر ابريل الماضي وقد جاءت الحصيلة كما كان متوقعا. خلال الأسابيع القليلة القادمة سيدخل القادة الإسرائيليون في مفاوضات ترمي إلى الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة. سيتطلب الأمر التوصل إلى صفقات مزدوجة وخيانات حتى يتسنى لهم تشكيل حكومة ائتلافية ويتحول «بيت الورق» إلى حفل شاي. أما الأسباب التي أفرزت هذا الوضع فهي بسيطة. فقد جاءت نتائج الانتخابات متقاربة من دون أن تفرز أي أغلبية واضحة سواء للطرف الذي يقوده رئيس الوزراء بينامين نتنياهو أو للطرف الذي يقوده زعيم ائتلاف «أزرق وأبيض» المعارض الجنرال المتقاعد بيني غانتز حيث إن أيا منهما غير قادر على تشكيل حكومة تسيطر على 61 مقعدا في البرلمان الإسرائيلي – الكنيست. إضافة إلى ذلك ظل اللاعبون الرئيسيون يواصلون تقديم الوعود والتعهدات المبدئية، وإذا ما أوفوا بها فعلا فإن ذلك سيجعل من الصعب تشكيل حكومة ائتلافية إسرائيلية جديدة، لذلك فإن الأمر سيتطلب بعض الخيانات والتنكر لتلك الوعود والتعهدات والشركاء وإلا فإنه لن يتسنى أبدا تشكيل حكومة ائتلافية إسرائيلية جديدة. أحرز ائتلاف أزرق وأبيض بزعامة الجنرال المتقاعد بيني غانتز 33 مقعدا في الكنيست الذي يضم 120 مقعدا. يمكن للحزبين «اليساريين»، أي حزب العمل وحزب جيشر، إذا ما تحالفا معه أن يوفرا 11 مقعدا وهو ما سيمكنه من الحصول على 44 مقعدا فقط. أخطأ أغلب المحللين عندما أضافوا 13 مقعدا حصلت عليها الأحزاب الأربعة التي تمثل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. هذا الأمر لن يحدث لسببين اثنين. فقد تعهد الجنرال المتقاعد بيني غانتز بعدم تشكيل حكومة «تتوقف على العرب». اما الأحزاب العربية فقد أعلنت بدورها أنها لن تصوت ضد بيني غتانتز إذا كان ذلك يعني إنهاء حكم نتنياهو غير أنها لن توافق على الانضمام إلى الحكومة الائتلافية إلا إذا التزم بيني غانتر بالموافقة على منح المساواة الكاملة لعرب إسرائيل وإنهاء الاحتلال. يعترض غانتز على هذين الشرطين لأسباب أيديولوجية. قد يسعى غانتز أيضا للحصول على تأييد الأحزاب الدينية المتطرفة التي حصلت على 17 مقعدا وهو ما سيعطيه أغلبية 61 مقعدا اللازمة لتشكيل الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الجديدة، غير أن ائتلاف «أزرق وأبيض» خاض حملته الانتخابية وفق برنامج انتخابي علماني مما يجعله من الصعب إضافة أحزاب دينية متطرفة ستطالب الحكومة بمواصلة تمويل مؤسساتها والإبقاء على الكثير من القيود والمحرمات الدينية. هذا من شأنه أن يضع بيني غانتز في مواجهة مباشرة مع ناخبي الأحزاب القومية العلمانية والذين شكلوا القاعدة التي وفرت له الدعم. يجب أن نذكر هنا أن الكثير من قادة ائتلاف «أزرق وأبيض» كانوا في الأصل مرتبطين بحزب الليكود، لذلك فإنه قد يبدو من المنطقي بالنسبة لبيني غانتز أن يحول وجهته بدوره إلى حزب الليكود، الذي حصل على 31 مقعدا في الكنيست في الانتخابات الأخيرة وذلك حتى يتسنى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية اليمينية الجديدة. هذا الخيار سيصطدم بدوره بعدة مشاكل وإشكاليات. قبل المفاوضات المنتظرة حصل بنيامين نتنياهو على تعهد من شركائه (الأحزاب الدينية المتطرفة وحزب يامينا القومي اليميني الذي فاز بسبعة مقاعد) بأنهم سيظلون موحدين ويتفاوضون ككتلة موحدة، بقيادة بنيامين نتنياهو. إذا ما ظلت هذه الوحدة قائمة فإن ذلك سيجعل من الصعب التوصل إلى شراكة مع بيني غانتز والذي ظل بدوره يشدد على أنه لن يشكل حكومة بشروط بنيامين نتنياهو ولن يقبل بأن يكون نتنياهو رئيسا للوزراء من جديد. إذا ما حافظت هذه الكتلة التي يتزعمها حزب الليكود على وحدتها فإن ذلك سيحتم على بيني غانتز القبول بوجود الأحزاب الدينية في الحكومة الائتلافية الإسرائيلية القادمة وتلبية مطالبها أيضا. يحق لبيني غانتز أن يطالب بحقه في تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة بما أن ائتلاف: أزرق وأبيض هو الذي فاز بالعدد الأكبر من المقاعد. رغم ذلك فإن بنيامين نتنياهو الذي حصل حزبه على 31 مقعدا في الكنيست يطالب بدوره بذلك وهو يزعم أنه يدخل المفاوضات من موقف قوة لأن القاعدة التي تدعمه أكبر من خصمة (55 مقعدا في الكنيست)، الأمر الذي سيجعله يفرض شروطه. هذا أمر غير مقبول بطبيعة الحال بالنسبة لبيني غانتز لأنه رفض المشاركة في أي حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو وتشكيل حكومة تضم الأحزاب الدينية التي تطرح بدورها شروطها ومطالبها. تظل الصورة التي أفرزتها الانتخابات الإسرائيلية متشعبة، فإما أن يذهب الإسرائيليون إلى الانتخابات العامة للمرة الثالثة وإما مشاهدة قادتهم وهم يخونون شركاءهم ويتنكرون لوعودهم وعهودهم. قد يقرر سبعة عشر من أعضاء الليكود المنتخبين خيانة بنيامين نتنياهو والتخلي عنه كزعيم لهم والالتحاق بالحكومة الائتلافية التي يريد أن يشكلها بيني غانتز. قد يحدث هذا الأمر إذا ما تواصلت المفاوضات إلى ما بعد الموعد الذي حدده المدعي العام في شهر أكتوبر، والذي قال إنه سيبدأ التحقيقات والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إدانة بنيامين نتنياهو بجرائم الفساد والارتشاء وخيانة الثقة العامة. يمكن لبنيامين نتنياهو أيضا أن يقنع أفيغدور ليبيرمان بالانضمام إلى حكومة الليكود علما أن حزب إسرائيل بيتنا الذي يتزعمه قد حصل على 8 مقاعد وهو ما يمكن بنيامين نتنياهو من الحصول على أغلبية 63 مقعدا مما يؤهله لتشكيل الحكومة. هذا يتطلب تنصل أفيغدور ليبيرمان من الوعد الذي قطعه على نفسه بعدم دخول أي حكومة تكون رهينة لمطالب الأحزاب الدينية. لقد فعل هذا من قبل لكن إذا كان عرض بنيامين نتنياهو جيدا بما يكفي فإن ليبرمان قد يتراجع عن تعهده ويفعلها مرة أخرى. هناك سيناريو آخر لا يمكن استبعاده. بما أن بنيامين نتنياهو يظل رئيسا للوزراء حتى يأتي ما يخالف ذلك خلال هذه المفاوضات فإنه قد يخلق حالة طوارئ وطنية مثل إشعال فتيل الحرب في قطاع غزة أو الدخول في حرب على الجبهة الشمالية. قد يعتبر نتنياهو أن وضع الأزمة من شأنه أن يعطيه القوة اللازمة حتى يجبر غانتز أو ليبيرمان على تقديم التنازلات. أما السيناريو الآخر والذي يستبعد أن يحدث في وقت قريب فهو يتمثل في الإعلان عن «صفقة القرن» بشروط غير مقبولة للجناح اليميني في معسكري ليبرمان وبيني غانتز. هذا سيخدم بالتأكيد مصلحة بنيامين نتنياهو الذي سينادي عندها بالوحدة الوطنية من أجل تفادي أزمة قد تنجم عن المطالب التي قد تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية. هذا السيناريو يظل مستبعدا لسببين اثنين. فقد أظهر دونالد ترامب بدوره قدرته على النأي بنفسه عن «صديقه الطيب بيبي» كما أنه يصعب أن نتصور أن تتضمن «صفقة القرن» شروطا من شأنها أن تحدث أزمة في إسرائيل. هناك إمكانية قوية أن تتم إدانة بنيامين وهو ما سيجبره على مغادرة الحياة العامة. كما أنه لا يستبعد أيضا أن يدخل السجن. هذا من شأنه أن يعيد خلط الأوراق غير انه لن يصب بالضرورة في مصلحة بيني غانتز ويمكنه من تولي زمام الأمور لأن ذلك سيتوقف على موقف بقية قادة حزب الليكود والذين قد يلتزمون بما تعهد به بنيامين نتنياهو لشركائه من الأحزاب الدينية. غير أنهم قد يخونونه ويلتحقون بالحكومة العلمانية بزعامة بيني غانتز. إذا ما حدث هذا الأمر فإن خيانة أخرى قد تحصل - أي تشكيل حكومة ائتلافية بين «أزرق وأبيض» والليكود من دون بنيامين نتنياهو غير أن القائمة الموحدة التي تمثل الفلسطينيين من مواطني إسرائيل ستصبح ثالث أكبر كتلة في الكنيست وهو ما سيجعلها تطالب بتولي المعارضة في الكنسيت وتلعب بالتالي دورا غير مسبوق في المجتمع الإسرائيلي. سعيا للحيلولة دون حدوث ذلك قد يتوحد الحزبان الدينيان اللذان خانهما نتنياهو وتخلى عنهما، وهو ما سيمكنهما مجتمعين من الحصول على 17 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي والمطالبة بحق تولي دور المعارضة في الكنسيت وهو ما يعني حرمان القائمة العربية الموحدة من هذا الدور وقطع الطريق عليها. في خضم هذه الحسابات والخيانات لم يرد ذكر حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت نير الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي. لقد انزلق المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين ولم يعد الفلسطينيون حاضرين في هذه الانتخابات. فباستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي الصغير فإن جميع الأحزاب الأخرى لم تبد أي اعتراض على التوسع الاستيطاني وتوسيع السيادة الإسرائيلية لتشمل أغلب مناطق الضفة الغربية وضم القدس ومواصلة خنق قطاع غزة. لا يوجد في الغرب أي تركيز يذكر على استمرار حرمان الشعب الفلسطيني وهو ما يمثل منتهى الخيانة الغربية. فالتغطيات الصحفية للانتخابات والمفاوضات التي تبعتها لا تأتي على ذكر الفلسطينيين أو الاحتلال كما ان هذه التغطية الصحفية الغربية تزعم أن بيني غانتز يختلف عن بنيامين نتنياهو وهو ما يشكل في حد ذاته خيانة لقيم العدالة وحقوق الانسان والمساواة والتي يزعم الليبراليون أنهم متمسكون بها. رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :