الأحادية القطبية ولّت بلا رجعة

  • 9/25/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

دانيلو تورْك * في العالم الآخذ بالظهور، ليس هنالك أعداء طبيعيون ولا حلفاء أبديون. وينبغي على الدول أن تكون قادرة على التعاون والتنافس في الوقت ذاته.بات واضحاً أن نظاماً عالمياً جديداً متعدد الأقطاب، آخذ في الظهور، فما هي أهم القوى الفاعلة في تشكيله، وما هي ملامحه الرئيسية؟ توفّر سنة الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية- التي تعتبر الآن أحد اللاعبين الرئيسيين في السياسات العالمية، والتنمية الدولية- مناسبة جيدة لمناقشة الوضع الحالي للنظام الدولي، وتطوره المستمر. من الواضح الآن أن العالم قد تغير، وأن الحقبة التي بدت أحادية القطب، بزعامة الولايات المتحدة، ذهبت إلى غير رجعة. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: ما نوع العالم متعدد الأقطاب الذي سيظهر في القرن الحادي والعشرين؟ يمكن استكشاف معالمه العامة فعلاً، والتي سيكون للصين في تحديدها دور كبير. يقتضي الأمر تفكيراً عميقاً، لن ينشأ عالم جديد متعدد الأقطاب على الفور، ولن يكون خاضعاً لسيطرة قوة واحدة. ففي حين أن النظم العالمية في القرنين الماضيين، كانت توصَف بالإشارة إلى قوة وحيدة رائدة- مثل استتباب السلام في ظل هيمنة بريطانيا (باكس بريتانيكا) في الجزء الأكبر من القرن التاسع عشر، واستتباب السلام في ظل الهيمنة الأمريكية (باكس أمريكانا) في النصف الثاني من القرن العشرين- فإن مثل هذا التوصيف غير مرجّح في القرن الحادي والعشرين. إن استتباب سلام في ظل هيمنة صينية (باكس صِينيكا)، غير مرغوب فيه من قِبل الصين، ولا هو متوقع في التعددية القطبية الناشئة في القرن الحادي والعشرين. وأحد الأسباب، أن الصين ملتزمة ببرنامج عملها الداخلي، الذي يتلخص في: تنمية السوق الصينية المحلية، وتشجيع ريادة الأعمال والابتكار، وتحسين البيئة والتنسيق الشامل للتقدم الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. وهذه مهام جسيمة وصعبة ستحظى بالأولوية القصوى. وتنتمي إلى الأجندة المحلية، لكنها ستتطلب أيضاً جيلاً آخر من انفتاح الصين. وفي الوقت نفسه، سوف يشمل النظام العالمي، العديد من القوى الكبرى النشيطة وسلسلة من اللاعبين الأصغر. وسوف يضم بشكل متزايد دولاً من العالم النامي، استمراراً للعملية التي بدأت مع التخلص من الاستعمار منذ سبعة عقود، كل ذلك، يجعل تكرار التاريخ أمراً مستبعداً إلى حد كبير. فما نوع التعددية القطبية التي علينا أن نتوقعها؟ ستبلغ التعددية القطبية في زماننا أعمق مما بلغته سياسات القوة التقليدية، واعتبارات توازن القوى. وستتميز بترابط عميق، وفي الوقت نفسه، بتنوع كبير في مفاهيم الحداثة، والنظام المحلي وشرعية الدولية. وتشمل التعددية القطبية في حقبتنا نماذج تنمية مختلفة بالفعل، قادرة على التعاون المثمر والإخصاب المتبادل. وهذا يشكل فرصة للقرن الحادي والعشرين، فرصة يجب عدم تفويتها، وفي العالم الآخذ بالظهور، ليس هنالك أعداء طبيعيون ولا حلفاء أبديون. وينبغي على الدول أن تكون قادرة على التعاون والتنافس في الوقت ذاته. ومن المتوقع أن تكون التحالفات السياسية مرنة، قصيرة الأمد، ويُحكم عليها من خلال إنجازها الفعلي. وسيكون هنالك دائماً أكثر من لاعبين قويين مشاركين في كل مسألة مهمة عالمياً. سيكون عالم القرن الحادي والعشرين على الأرجح، عالم تفاعل مستمر بين مجموعة متنوعة من اللاعبين، بعضهم قديم وبعضهم جديد. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة ستكون مهمة، فإنه من المستبعد إلى حد كبير، أن تؤدي إلى ثنائية قطبية، ناهيك عن الأنماط الثنائية التي عرفتها حقبة الحرب الباردة. ومن الواضح، أن تبلور نظام جديد من العلاقات الدولية سيستغرق وقتاً، وسيتطلب إدارة متعقلة. فهل هذا ممكن في إطار النظام المعياري والمؤسسي العالمي الحالي؟ ممّا لا يثير الدهشة، أن الجواب هو- نعم. فالإطار المعياري الأساسي للعالم، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، يمثل المنهاج المعياري الضروري، ولا يحتوي أي شيء من شأنه أن يعيق التنمية العالمية في القرن الحادي والعشرين. إنه قائم على مبدأ احترام المساواة في السيادة بين جميع الدول، وسيادة القانون الدولي وعلى هدف التعاون العالمي المكثف. ومن المهم للغاية، أن الإطار المؤسسي لميثاق الأمم المتحدة، يسمح بتطور من شأنه المساعدة بدرجة كبيرة في تطوير النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين. فالفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، يتحدث عن ترتيبات إقليمية يمكن اتخاذها لحل المشاكل الإقليمية، بتوافق مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. فمنذ إنشاء الأمم المتحدة في عام 1945، ازدادت الترتيبات الإقليمية في عددها وتنوعها، وقدمت إجابات للاحتياجات الجديدة للتعاون الدولي، وقد أسهمت الصين بابتكارات خلاقة، وإنشاء منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001، أحد الأمثلة. لا يضع الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة أي قيود على الابتكار وإنشاء أطر مؤسسية جديدة لازمة للتعاون الدولي المكثف. وتوفر الخبرة في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقت قبل خمس سنوات، فرصاً لمزيد من الابتكار. وينبغي أن تكون هذه الفرص، في صلب التفكير بشأن تطور النظام العالمي في زمن الذكرى السبعين لجمهورية الصين الشعبية. * رئيس جمهورية سلوفينيا من عام 7002 إلى عام 2102. صحيفة «تشاينا ديلي»

مشاركة :