د. عارف الشيخ رغم أن الموت قدر كل حي إلا أن الإنسان لا يحب أن يموت، اللهم إلا في بعض الحالات عندما يتعرض الإنسان لمصائب متلاحقة أو لأمراض مزمنة فإنه يتمنى أو يدعو على نفسه بالموت، بغية التخلص مما هو فيه.لكن رغم ذلك فإن الإسلام نهى عن أن يتمنى أحدنا الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت، إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما سيئاً فلعله أن يستعتب». (رواه البخاري)ويفهم من هذا أن الإنسان لا يجوز له أن يقتل نفسه، كأن يستعجل في الموت، لأن ذلك فيه اعتراض على أمر الله من ناحية، فالله أعلم بوقت أجله، ومن ناحية أخرى قد يفوّت على نفسه مصلحة دينية، كأن يكون غافلاً عن الله، لاهياً بالدنيا، فإذا استعجل بقتل نفسه فربما مات قبل التوبة.إذن الموت يجب أن يكون طبيعياً، والموت الطبيعي له علامات ودلالات، وقد كان الفقهاء قديماً يذكرون أن من علامات الموت: استرخاء القدمين، واعوجاج الأنف، وانخساف الصدغين، وامتداد جلدة الوجه، وانشمار الخصيتين إلى فوق مع تدلي الجلدة وبرودة الجسد.ويقول ابن قدامة في كتاب المغني: «إذا اشتبه أمر الميت اعتبر بظهور أمارات الموت من استرخاء رجليه، وانفصال كتفيه، وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخساف صدغيه».أقول: ما ذهب إليه القدماء ليس ببعيد عن الصواب، لأن هناك بعض الأحاديث التي تدل على بعض هذه العلامات، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر». (رواه مسلم)ويقول أيضاً: «إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح». (رواه ابن ماجة)مثل هذه الأحاديث تدل على أن شخوص بصر المحتضر علامة ظاهرة على قبض روحه ومفارقتها لجسده.يقول الدكتور أحمد كنعان في «الموسوعة الطبية الفقهية»: «هذا ما ذكره القدماء، لكن قد لا تكون كلها علامات يقينية، لذلك فإن علماء آخرين منهم قد تنبهوا إلى عدم دقة تلك العلامات مثل الإمام النووي - رحمه الله- الذي قال: فإن شك بأن لا يكون به علة، واحتمل أن يكون به سكتة، أو ظهرت أمارات فزع أو غيره أخر إلى اليقين بتغير الرائحة أو غيره، هكذا ذكره في كتابه روضة الطالبين».وبالمناسبة فإن الموت قد يلحق إنساناً وهو لا يزال حياً إلا أنه في حكم الميت، لذلك فإن الفقهاء قسموا الموت إلى ثلاثة أقسام:1 - موت حقيقي كأن يعلم يقيناً بأن الروح فارقت الجسد.2 - موت حكمي كأن يصدر القاضي حكماً بموت فلان مثلاً لسبب شرعي مثل المرتد إذا ألحق بدار الحرب، فإنه يحكم بموته ويقسم ماله بين ورثته كما يقول الأحناف.ومثل المفقود أيضاً الذي لا يعلم بمكانه فيحكم القاضي بموته حسب ما ترجح لديه، وعندئذ يقسم ماله بين ورثته كما يقول المالكية.3 - موت تقديري، وهو الحكم الذي يصدره القاضي على الجاني على المرأة الحامل، حيث تسقط جنينها نتيجة الضرب والاعتداء عليها إذ يقدر الفقيه بأن هذا الجنين كان حياً لولا أن أمه ضربت فمات، وعندئذ يجب على الجاني الدية كما يقول الشافعية.هذا ويذكر الطب في العصر الحديث بأن الإنسان يمر بمراحل ثلاث:1. يتوقف قلبه وتنفسه.2. يتوقف ورود الدم المحمل بالأوكسجين إلى بقية الأعضاء فيموت به جذع الدماغ.3. يسري الموت إلى سائر أعضاء الجسم فتموت خلايا البدن كلها.أقول: هذا هو الأمر في الأحوال العادية، لكن كيف نحكم على الإنسان بموته إذا مات دماغه ولم يتوقف القلب أو الحركة في جسمه، وظل حياً تحت الإنعاش؟هذا وللحديث بقية.
مشاركة :