بتحريض من استحقاقات إقليمية ودولية؛ حتّمت تطابقاً شبه كامل بين أجندة العاصمتين المحوريتين، تذهب الرياض وباريس إلى تقاربٍ كما لم يكن من قبل. فالرؤى المتوافقة بين المملكة وفرنسا تجاه الأحداث لاسيما حول ثورة (30 يونيو) والملف النووي الإيراني، والحرب على "داعش"، مروراً بتداعيات "الربيع العربي في مصر وسورية"، ووصولاً إلى "عاصفة الحزم"؛ كل تلك المعطيات أوصلت الطرفين إلى نقطة تلاقٍ ووثّقت عُرى التحالف بين البلدين، وعجّلت من وتيرة التقارب، في وقت لم تكن العلاقات السعودية - الأميركية في أفضل حالاتها. وتحظى العلاقات السعودية الفرنسية بثقة متبادلة مكّنت البلدين من العمل سوياً على عدة ملفات خاصة الملف النووي الإيراني، إذ يُعرف أن المفاوض الفرنسي في محادثات (5+1) تميّز بصلابة ودقة أزعجت الإيرانيين، وكبحت في لحظات عدة اندفاع بعض أطراف التفاوض للانسياق وراء تفسيرات طهران، ويبقى النووي الإيراني أحد أهم القضايا التي ستناقش بين القيادتين السعودية والفرنسية، لاسيما بعد الاتفاق الإطاري بين القوى الست وإيران، التي بدأت تدوين الاتفاق النهائي المحتمل توقيعه نهاية الشهر المقبل، والرغبة السعودية والخليجية بأن يكون هذا الاتفاق تاريخياً لا كارثياً. ولا يمكن أن يظل الملف النووي هو التحدي الأخير أو النهائي الذي يواجه العلاقات السعودية - الفرنسية، بل إن الأزمات المتتالية في الشرق الأوسط ستُسهم في دفع البلدين نحو بعضهما أكثر لتوطيد الشراكة بينهما، واختبار إلى أي مدى هي العلاقات البينية محصّنة من أي زوابع مستقبلية.. وسمح التقارب السعودي - الفرنسي أن تصبح باريس على علاقة قوية مع دول الخليج؛ الأمر الذي دفعها إلى دعوة الرئيس فرانسوا هولاند إلى القمة الخليجية التشاروية، في دلالة على أن الجميع في مركب واحد يواجهون تحدّيات واحدة، وهو أمر تنظر إليه دول غربية وإقليمية بشيء من الانزعاج، وهي حفاوة ورسالة سياسية بالغة المعنى، إذ لم يسبق أن حظي رئيس دولة غربية بهذه الدعوة. ولم تكتف دول الخليج بالتنسيق السياسي مع باريس، بل ذهبت إلى دفع المسارات الاقتصادية والعسكرية لتصبح جزءاً رئيسياً ومهماً في منظومة العلاقات البينية، فالرئيس هولاند سيوقّع هذه الأيام على اتفاقية لتزويد قطر ب(24) طائرة "رافال" الحربية، كما أن الجانبين السعودي والفرنسي قد اتفقا خلال الزيارة الأخيرة على تعزيز التعاون العسكري البحري والدفاع الجوي، ويمتد ذلك إلى قطاعات أخرى نوعية كتطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية. الحضور الفرنسي للقمة الخليجية رسالة لمن يرقبون هذا الحراك السياسي في منطقة أقل ما يوصف عنها بأنها شديدة الاضطراب، وبأن دول الخليج تحظى اليوم بثقة كبيرة من أهم وأكثر الأطراف الأوروبية ثقلاً وحيوية في الساحة الدولية، وأن لدى دول التعاون القدرة على بناء صداقات وتحالفات في وقت أصبحت صياغة التحالفات أمراً لابد منه.
مشاركة :