الدكتور القس إكرام لمعي يكتب: الكنيسة والشباب.. أمير جيد نموذجا

  • 10/1/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

طلب منى كثيرون من الزملاء وحضرات الشيوخ أن أكتب كلمتى التى كلفت بها من راعى الكنيسة الإنجيلية المشيخية بالفجالة القس أمير ثروت، بعنوان «الكنيسة والشباب» القس أمير جيد كان نموذجًا فى احتفالية الكنيسة بمرور قرن من الزمان على بداية العمل بحى الفجالة، لكى نستعيد التاريخ ونكتشف كيف كانت الكنيسة تفكر وتخطط لقيادة المجتمع وهى فى بداياتها، وهأنا أفعل.يسعدنى جدًا أن أشارك فى هذا الحفل المتميز، مرور قرن من الزمان على واحدة من أعرق كنائس الإصلاح فى مصر «كنيسة الفجالة» القس أمير جيد نموذج فهو كان إنسانًا خادمًا للرب من بين الذين أطلق عليهم «خادم استثناء»، وهو فعلًا كان وما زال استثناء بشكل عام واستثنًاء لى بشكل خاص، لأنى التقيت به فى قاعة الدرس فى كلية اللاهوت الإنجيلية أكتوبر ١٩٦٧م، وأنا بطبيعتى أذكر وأكتب عن كل شخص قدرت أن لقائى به كان استثناء فى حياتي، وأمير جيد كان بالنسبة لى استثناء شكلًا وموضوعًا، كان وسيمًا وأنيقًا، عندما بدأ محاضرته الأولى لنا فى كلية اللاهوت أبهرنا جميعًا بما يقوله من معلومات لاهوتية متدفقة لهثنا وراءها لتدركها عقولنا، عمق تفكير مع حسن صياغة، انبهرت به دفعتى المكونة من عشرة أفراد، وكانت أكبر دفعة فى كلية اللاهوت حتى عام ١٩٦٧ م ودفعتى كانت استثناء أيضًا لكن هذا ليس مكانه - بدأ أمير جيد يدرس لنا باللغة الإنجليزية فاعترضنا لأن جميع الأساتذة كانوا يعلموننا باللغة العربية، فخضع لنا - مع الأسف الشديد- وبدأ يدرسنا بالعربية، كان قسًا مساعدًا للعملاق توفيق جيد، الذى كان راعيًا للكنيسة الإنجيلية بالفجالة فى ذلك الوقت، وكانا مدرستين مختلفتين تمامًا، فالعملاق توفيق جيد كان واعظًا مفوهًا شهيرًا عميق الفكر مع روعة الصياغة اللغوية يملك ناصية اللغة. من مدرسة السجع والتى كانت المدرسة الأشهر فى ذلك الوقت، وكان هو رائدها. كانت الكنيسة تمتلئ عن آخرها يوم الأحد صباحًا، وترص كراسى من الخلف وبين الصفوف، أما أمير جيد فكان لاهوتيًا متمكنًا من أدواته أولًا، وواعظًا ثانيًا، ورغم هذا الاختلاف الجذرى بينهما فى التوجه والشخصية إلا أنهما كانا محبين ويحترمان بعضهما البعض، وكل واحد منهما كان يعتبر الآخر مكملًا له. كانت لأمير جيد مبادرات تقدمية بديعة، فهو أول من أنشأ اجتماع شباب مختلط فى مصر فى الستينيات من القرن الماضي، وكانت هذه خطوة تقدمية وبمصطلح عصرنا ليبرالية جدًا، وثار عليه رجال ونساء وقادة - كشأن أى قائد تقدمى أو ليبرالي، لكن التاريخ والعصر أنصفاه بالطبع وقلدته جميع الكنائس على مستوى الجمهورية واحدة بعد الأخرى، ذلك لأنه كان متقدمًا بعيد النظر من بين جيله. كان أمير لاهوتيًا عميقًا ومفسرًا للكلمة المقدسة، وقد تأثرت شخصيًا بشخصه وفكره وتوجهاته الثقافية والاجتماعية، كان أكبر اجتماع للشباب على مستوى القاهرة اجتماع شباب الفجالة، كان أمير دائمًا محاطًا بالشباب يسألونه بكل بساطة ووضوح فى الجنس والإلحاد والآيات الصعبة والمتناقضة والعنف فى العهد القديم....إلخ، كان يجيب كواحد منهم، فى بساطة وعمق شديدين، ألف عدة كتب من أهمها كتاب شهير عنوانه «واحد من الاثنى عشر يهوذا الإسخريوطي».تعلمت منه كيف أفكر خارج الصندوق، وكنا نلهث خلفه، وطبعًا من المعلوم لديكم أن كنيستنا الإنجيلية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كانت تقود المجتمع المصرى ككل، كانت تسبق جميع الهيئات الحكومية والخاصة وكل الكنائس المحيطة عدة خطوات وذلك على مدى قرن من الزمان، كانت فلسفة الكنيسة فى ذلك الوقت أنها لا تستطيع أن تبارى الكنيسة الأرثوذكسية فى العدد ولا تستطيع أن تبارى الكنائس الأخرى الموازية لها فى الدخل، لذلك اختارت أن تتميز فى أن تكون رائدة وسابقة بخطوتين عن المجتمع والكنائس الأخرى فى التطور والأفكار التقدمية، جاءت مدارسها ومستشفياتها وعملها الاجتماعى وفكرها ولاهوتها التقدمى نموذجًا رائعًا حتى للدولة ذاتها فى ذلك الوقت، لا أنه بعد ثورة يوليو ١٩٥٢م وحركة التأميم لبعض مدارسها ومستشفياتها، وكذلك الحكم الديكتاتورى الذى حظر على الناس أن يفكروا خارج الصندوق أو خارج الإطار المحكم، تراجعت الكنيسة خاصة بعد الهجمة الأصولية التى اجتاحت المجتمع المصرى والعالم مؤخرًا وأيضًا كنيستنا، وحتى لا يكون كلامى مجرد شعارات أو انطباعات أقدم لكم مثلًا بسيطًا لذلك، أو قل خبرة شخصية، لقد أهدانى أمير جيد كتابه «واحد من الاثنى عشر» فى ذلك الكتاب كان لأمير جيد رؤيا تفسيرية كتابية مختلفة عن المألوف والتراث ومتقدمة، وقد تأثرت بها، وكنا نناقش هذا الكتاب فى السبعينيات من القرن الماضى مع الشباب الذين كانوا ينجذبون بشدة لكتابات وعظات أمير جيد. وكان هذا يتم فى كنائس الصعيد كما فى القاهرة والإسكندرية بأسلوب رائع وراق ومتطور. بعد نصف قرن من مثل هذا الجو الصحى داخل وخارج الكنيسة، حاولت أن أقدم لمحة من هذا الكتاب فى محاولة لإثارة فكر الناس، فقامت الدنيا ولم تقعد. لقد كانت الكنيسة رائدة فى عملها الاجتماعى كما ذكرت وأيضًا فى وعظها وتفسيرها للكلمة ولاهوتها، وكانت مشهورة أيضًا بشبابها الرائد والمنفتح، وكان يقود هذه الحركة الضخمة للشباب أمير جيد ثم استلم منه الراية جوزيف صابر.اليوم أقول إن كل الإحصائيات تعلن أن شبابنا قد هجر الكنيسة، وأن معظم كنائسنا أغلقت اجتماع الشباب، بل أكبر كنائسنا فعلت ذلك، مع موجة إلحاد حادة اكتسحت شباب مصر بشكل عام. والسؤال الذى يوجهنا اليوم: ترى ماذا فعلت الكنيسة لشبابها وشباب مصر لاستعادتهم؟ هناك مثل مصرى يقول: «من فات قديمه تااااه» وهذا المثل لا يكتمل إلا بقول فيلسوفنا د. زكى نجيب محمود «نتجدد أو نتبدد».صحيح من فات قديمه تاه ونحن لن ننسى ماضينا وأصولنا لكننا لن نتوقف عنده ولن نتوقف عن التجديد حتى لا نتبدد ولا تتبدد كنيستنا.

مشاركة :