بفضل إنجازات الملك المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، فقد شهدت المملكة العربية السعودية إرساء الأمن والأمان في ربوعها وفي كل شبر منها، حيث أصبحت الطرق والمدن والقرى والهجر تعيش في أمن دائم كما تأسست النظم اللازمة والمؤسسات الأمنية لردع جميع المحاولات التي تمس استقرار الناس وممتلكاتهم. وفي الوقت نفسه ونتيجة لأسباب الأمن والعدل والنظام، شهدت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، من الناحية الاقتصادية، نقلة نوعية من خلال ظهور النفط وتطور صناعته واستخراج المعادن وازدياد حركة التجارة والعلاقات التجارية الدولية، وكل هذه العوامل وظفت في خدمة التطور الحضاري والأخذ بأسباب الحضارة والتقدم ضمن معايير المبادئ الإسلامية والتقاليد الاجتماعية التي تقوم عليها الدولة السعودية. واكتسبت المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز مكانة عربية ودولية خاصة، نتيجة لموقعها الاستراتيجية ورسوخ سياستها الداخلية والخارجية، وأصبحت القلب النابض لكل الجزيرة العربية، والعمق الاستراتيجي للعالم العربي والإسلامي. اليمامة تسلط الضوء على تأثير توحيد وقيام «المملكة العربية السعودية» في عهد الملك المؤسس على العلاقات الاجتماعية، وأهم عوامل الجذب التي ساهمت في اتجاهات الهجرة والاغتراب في المملكة لسكان وقبائل جنوب الجزيرة العربية، وكيف ساهمت هذه العوامل وسياسة الدولة في الحفاظ على الروابط الاجتماعية وصلات القربي التي تربط سكان هذه المناطق بالمملكة لاسيما لمن يسكنون المناطق المحاذية للمملكة وحدوها الجنوبية. صدى توحيد المملكة في أرجاء الجزيرة حدث كبير مثل قيام المملكة وتوحيدها لقي اهتمام واسع من سكان الجزيرة، ووصل صداه حتى إلى تلك المناطق شبه المعزولة عن العالم وعن محيطها في ذلك الحين مثل سلطنات وميشخات جنوب الجزيرة وما سمي في وقت لاحق بمحميات عدن الغربية والشرقية في ظل الوجود البريطاني في عدن على الرغم من العزلة التي عاشتها تلك المناطق حينها وكذلك في أرجاء المملكة المتوكلية سابقاً. وينعكس هذا الصدى في قصائد وأشعار الشعراء الشعبيين في تلك الفترة الذين احتفوا بالحدث طريقتهم الخاصة في المناسبات الاجتماعية، وخاطبوا من خلال اشعارهم الملك المؤسس وملوك المملكة تعبيراً عن إعجابهم بإنجازاتهم، وبالعدل والأمن الذين عما بلادهم، وبمواقفهم التي تبعث على الفخر والاعتزاز لدى كل عربي، وتعبيراً عن الحب والتقدير الذي يحملونه لهم في القلوب، لكن السواد الأعظم من هذه القصائد والأشعار للأسف لم تحظى بالتدوين، وبقيت شفاهية يتداولها الناس ويكررها خصوصا عندما تتعلق بالأحدث الكبيرة والتحولات العظيمة. ووصف الشعراء الشعبيين في تلك المناطق المملكة بمملكة العدل، وفيها ملك لا يظلم أحد، ودعا الشعراء في قصائدهم كل من هو في ضيم وظلم إلى شد الرحال إليها، بما يضع حداً للاقتتال والحروب القبلية والحسابات القبلية والسياسية في ذلك الحين. المملكة تفتح أبوابها ظلت الهجرات الحضرمية مستمرة إلى بلاد الحرمين الشريفين (الحجاز) لاحتضانها مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وما يمثلانه من بعد ديني وروحي، ولكن عندما جاء العهد السعودي بقيام المملكة العربية السعودية، انساح وانتشر الحضارم في كل أرجاء المملكة الطموحة، ولحق بهم الكثير من أبناء منطقة جنوب الجزيرة من مناطق مختلفة، وأصبحت المملكة وجهة رئيسية لسكان جنوب الجزيرة لا يتوقف الرحيل صوبها، ولا تضعف الرغبة في التعرف عليها. وبعد وفاة الملك عبد العزيز في الثاني من شهر ربيع الأول من عام 1373هـ الموافق للتاسع من شهر نوفمبر عام 1953م سار أبناؤه على نهجه، واستكملوا مسيرة التأسيس والبناء وفق المبادئ السامية التي تستند عليها الدولة السعودية، مما جعل توافد سكان جنوب الجزيرة إلى المملكة مستمراً بل ومتزايداً في مراحل معينة. الأمن عامل جذب شكل قيام المملكة العربية السعودية تحول كبير في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الجزيرة العربية ككل، فمنذ أول يوم عمل الملك المؤسس وبسياسته الحكيمة على إرساء دعائم الأمن والأمان في كل شبر من المملكة، والخرص على إنشاء المؤسسات الأمنية القوية، وترسيخ مقومات العدل والنظام والقضاء العادل من خلال الأنظمة والقوانين والمؤسسات التي تتكفل بتطبيقها وتنفيذها، ووضع اللبنة الأساسية لبيئة اقتصادية وتجارية ناجحة وحديثة، وبناء علاقات دولية متينة، بالإضافة إلى الطرق والمواصلات وغيرها من وسائل الحياة. كل هذه المقومات شكلت عامل جذب للكثير من قبائل وسكان سلطنات ومشيخات جنوب الجزيرة.. ففي الوقت الذي قامت فيه المملكة العربية السعودية، وشهدت فيه استقراراً ملفتاً، كان سكان جنوب الجزيرة يعانون من فقدان الامن وانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي وضعف النشاط الاقتصادي بإستثناء محمية عدن التي حظيت بتطور حضاري كبير، وهو ما جعل الهجرة غاية لدى الكثير منهم لاسيما من أصحاب النشاطات التجارية أو ممن يسعون لبناء حياة أفضل والعمل في بيئة مستقرة وآمنة وضامنة للحقوق. وتزايدت الهجرة إلى المملكة العربية السعودية حتى اصبحت ومنذ أربعينات القرن الماضي هي الوجهة الرئيسية لاسيما للحضارم بعد ان كانت «جاوة» وجهة رئيسية، وذلك عندما شرع الكثير من الحضارم في العودة من المهجر الشرقى إلى حضرموت. مملكة العدل النظام اعتني المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود بالقضاء وقيم العدالة، وأولى مسالة بناء القضاء وتحقيق العدل أقصى اهتمامه، وجعل القضاء القائم على العدل إحدى الدعائم الأساسية للدولة وإحدى سلطاتها الرئيسية انطلاقا من ايمانه بأن العدل أساس الحكم، وأنشأت الدولة المحاكم على اختلاف أنواعها، ودرجاتها، وأصدرت الأنظمة التي ترتب هذه المحاكم، وتبين وظائفها، وتحدد اختصاصها وسلطتها، وتنظم سير العمل. إضافة إلى تحقيق العدل في البلاد، اهتم الملك المؤسس بتنظيم الحكم والإدارة وأحوال الدولة ومؤسساتها وترسيخ قواعد وأصول الإجراءات المنظمة لأعمالها بما يرسخ الاستقرار والنزاهة وسلطة النظام والقانون ووفق الشريعة الإسلامية. وبفضل هذا البيئة العادلة وسلطة النظام والقانون التي يخضع لها الجميع دون تمييز، شعر كل فرد من الأفراد ومنذ اول يوم في قيام المملكة العربية السعودية بالطمأنينة على نفسه، وماله، وعرضه، بناءا على أن الناس سواسية في الحق، والعدالة، فأصبحت المملكة قبلة جديدة تشتهر بالاستقرار والأمان وتعرف بالعدل في جميع البلدان لاسيما المجاورة لها، وازداد الإقبال على الحج بعد ان كانت الكثير من المجموعات المسلمة تعتقد بانها بلد غير آمن. المملكة وجهة رئيسية للحضارم مما لا شك فيه أن هجرة الحضارم إلى السعودية اتسعت بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية. فمنذ ذلك الحين أصبحت السعودية، لأسباب مختلفة، هي المحطة الأولى للمهاجرين الحضارم بدرجة أولى، وباقي مناطق جنوب الجزيرة بدرجة ثانية. في رواية (سالمين)، يشرح حمد-أحد شخصيات الرواية-أسباب تحول الحضارم من المهجر الشرقي في جزر الأرخبيل الهندي إلى المهجر السعودي، قائلا: «جاوة لم تعد حلم الحضارم بعد الحرب العالمية الثانية، بل أصبحت السعودية الحلم الجديد الذي بدأ الكثير يرنو إليه» ص50. ومن الأمور التي يبرر بها حمد قراره السفر إلى جدة: الأوضاع السيئة التي كانت حضرموت تمر بها حينذاك، فهو يقول: «ما عليَّ إلا أن أشق طريقي إلى أرض الحجاز التي ذاع صيتها، والناس يسافرون إلى هناك، والأرزاق متوفرة وكثيرة، والأمان يسود، بينما في حضرموت القلاقل وقطع الأرزاق، وانجرامس مع حكومته يفرضون ضرائب على البدو» ص50-51 (هارولد انجرامز هو المستشار البريطاني للسلطنتين القعيطية والكثيرية والذي عُرف بدوره في عقد الصلح القبلي الشهير بين قبائل حضرموت تمخض عنه تأسيس وبناء جيش البادية الحضرمي في عام 1939م). إضافة إلى ذلك، يذكر الراوي في رواية «سالمين» أن من أسباب هجرة الحضارم، بعد مغادرة بريطانيا لأراضي الجنوب، رغبتهم في الهروب من النظام الاشتراكي وكثير من الإجراءات التي فرضها، مثل التأميم والخدمة العسكرية الإلزامية. ويؤكد الراوي سالمين: «كان الوصول إلى السعودية يعني تحقيق حلم التجارة والغناء بسرعة، الوجوه تتدفق من كل مكان إلى السعودية، وكان النصيب الأكبر للجيران (اليمن)، إذ حصلوا على فرص كثيرة واستثمروها وحققوا تجارة لا يستهان بها في المملكة العربية السعودية، فبعد وصولنا بعقود إلى السعودية اعتقدنا أن الهجرة ستتوقف بعد قيام الجمهوريات في الشمال والجنوب، لكننا رأينا العكس، فقد جاءت بعدنا أجيال، ولكل جيل خصوصيات وظروف مختلفة، فالجيل الذي أعقبنا، الذي جاء بعد قيام حكومة الجنوب، كانت هجرته بسبب قلة العمل وتأميم الدولة للبيوت، والأشخاص كلهم موظفون لدى الدولة، لا تجارة ولا استثمار»ص78. سلطنات ومشيخات الجنوب كما سبق، كانت بلاد نجد والحجاز ولواحقهما وجهة مهمة للحضارم من مختلف أنحاء حضرموت لاسيما الدواعنة منهم (نسبة إلى وادي دوعن)، وبعد قيام المملكة العربية السعودية، تطورت أنماط العلاقات الحضرمية في سلطنتي الكثيري والقعيطي بالمملكة، ولحق بهم الكثير من سكان جنوب الجزيرة من مختلف المشيخات والسلطنات القائمة حينذاك، مثل سلطنة المهرة وسقطرى، وسلطنة الواحدي، وسلطنتي العوالق، وإمارة بيحان، وبقية السلطنات والمشيخات الجنوبية الغربية. المملكة حضن دافئ ومنذ بدايات تأسيس وقيام المملكة العربية السعودية، نجحت المملكة في ان تكون حضن دافئ لضيوفها من القادمين إليها من انحاء بلاد العرب لاسيما من المناطق والقبائل المحاذية لحدود المملكة البرية، الذين قوبلوا بكل الترحاب وحصلوا على أقصى درجات الرعاية والاهتمام ونالوا كل التسهيلات، ومن أصبح مواطناً مخلصاً، ومنهم من ظل مقيماً وفياً يكن في قلبه كل الحب ومشاعر الامتنان والعرفان والوفاء لهذه البلاد المباركة والطيبة ولقيادتها الحكيمة ولشعبها النبيل والوفي.
مشاركة :