هل هو مأزق وجودي أم حضاري؟ | مقالات

  • 5/5/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في أي اتجاه ترسل النظر وتركز السمع لمعرفة ما يدور حولك تجد صعوبة تجنبك للمآسي التي تحيط بك من كل اتجاه، وتتساءل في داخلك لماذا كل هذه المصائب المتمثلة في النزاعات والتقاتل بين الطائفة الواحدة، وفي داخل البلد الواحد، وبين المسلمين سنة وشيعة؟ وهل في ذلك نتائج إيجابية تنعكس على الإسلام والمسلمين؟ كل إفرازات التطاحن الطائفي لا تخرج عن دائرة سفك الدماء كل يوم بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وكلهم أبرياء لا ذنب لهم في ما يواجهون من مصائب وجرائم يقوم بها آخرون. فلا غرابة أن يظل الإقليم العربي هو الإقليم الوحيد في العالم الذي لا يتوقف فيه القتل على الهوية والملة والمذهب والدين وبين أبناء الجلدة الواحدة، والدين الواحد، وليس مع بني صهيون؟ تشير الدراسات الديموغرافية والعرقية أن إطالة أمد الصراع والتقاتل يعرض الوجود العربي إلى الانهيار والانصهار، وربما الزوال يسبب فقدانه لمقومات وجوده نتيجة لتآكل هذه المقومات بمرور الزمن. فكما يلاحظ من المشهد العام، الاجتماعي والسياسي على وجه الخصوص، أن هناك رغبة في التوغل إلى أبعد مدى في أضعاف الأمة، وخلق دويلات وطوائف متمسكة بتقاليدها وتاريخها وولائها لطرف أو آخر وعلى نحو يتعارض مع التكامل والتضامن والتفاعل مع الحقائق المادية للوجود. والغرابة أن يتحول الخطر الذي ساد فترة طويلة لدى الإسرائيليين من زوال دولتهم ويهوديتهم، والمخاوف الصهيونية من تآكل دولة إسرائيل إلى خطر أصبح الآن يهدد الوجود العربي، بدليل وجود حقائق على الأرض تدعم هذا الادعاء وتعزز تزايد التفكك العربي، والاندفاع نحو تأسيس كيانات قومية وعرقية ومذهبية تشاطر الرغبة في العيش متباعدة، وعلى أساس تقسيمات جغرافية ترى بتجمعاتها في ذلك الأمن والسلامة أكثر من الدعوات التي سادت عقوداً طويلة تنادي بالوحدة العربية، وبقومية تستند على مبادئ مثالية بعيدة عن الواقعية والوجودية المادية. ويستدل أكثر على ذلك عندما نتمعن في الذات العربية فإننا نلاحظ أنها تعيش أزمة وجود وانكفاء ورؤية أحادية لمختلف قضاياها المنهكة والمضطربة. فهي منعزلة عن العالم، ولا تدرك مجريات الأحداث، ولا تنتبه للمخاطر المحدقة بها، وفي معظم الأحوال تتحدث في المثالية وعدم الواقعية، وفي صورة متعالية لا تتفاعل مع متطلبات الوجودية والتغيرات العالمية... فليس هنالك دوافع في المنظور العام تعكس التقدم والاستقرار، والبعد عن العنف والكراهية ونبذ الآخر، وتجنب الدخول في التصادم والموجهة. إذاً المأزق الوجودي العربي، دع عنك الحضاري، يتمثل في التمسك المفرط بالمسلمات والفرضيات التي أحيانا توصف بالمقدسة والثابتة، ولا يقبل التنظير فيها بدعوة الإيمان، بينما يعكس المشهد السياسي العربي الحالي أن التطرف الديني والعنف والبعد عن الوسطية هي من نتاج تجاهل الوجودية المادية، والفهم الصحيح لما يحدث في حياة الناس. لذلك استغل المجرمون التدين في أبشع صوره فكان الإسلام السياسي، والإرهاب، وتفضيل مذهب أو طائفة على أخرى، ومخيبات أمل متراكمة نتيجة تفشي الفساد بأوسع نطاقه وأنواعه، وخاصة الصراع على السلطة، والإساءة لكرامة البشر وحقوقهم المشروعة في العمل والحرية والعدالة. إن الأزمة الوجودية تستند، للأسف، على غياب المسؤولية والمساءلة، وفساد السلطة والمجتمع، والله أعلم... yaqub44@hotmail.com

مشاركة :