انتَشَرَت في الآونَة الأخيرَة بَرَامج تَطوير الذَّات، ويَأتي في رَأس القَائِمَة البرنَامج المُسمّى «البَرْمَجَة اللُّغويّة العَصبيّة»، وهَذا البرنَامج عِبَارة عَن كَلِمَات يُكرّرها الإنسَان، ويُبرمج نَفسه عَليها، حتَّى تُصبح جُزءاً مِن حيَاته، وعَادَةً مِن عَادَاته، التي تُلازمه أينمَا ذَهَب واتّجه..! ولَو تَأمّلنا عِلم البَرْمَجَة اللُّغويّة العَصبيّة، لوَجدنَا أنَّها قَريبَة إلَى الصَّوَاب، وقَد جَاءت بدَايات هَذه النّظرية -أعنِي نَظرية البرمجَة اللُّغويّة العَصبيّة- في كُتب التُّرَاث، وفي بَعض الأحَاديث، وإليكُم الدَّلائِل التي تُشير إلَى ذَلك: يَقول المُصطَفَى- صَلّى الله عَليه وبَارك-: (لَا تَمَارَضُوا فَتَمْرَضُوا فَتَمُوتُوا). بمَعْنَى أنَّ الإنسَان إذَا بَرْمَج نَفسه؛ واستَعدّ للمَرض سيَمرض. ويُروى -في حَديثٍ آخَر- أنَّ رَسول الله - صَلّى الله عَليه وبَارك- (دَخَل عَلى أعرَابي يَعوده، فقَال: لَا بَأس، طَهُور إنْ شَاء الله، قَال: قُلت طَهُور؟ كَلَّا، بَل هي حُمَّى تَفور، عَلى شَيخٍ كَبير، تُزِيرُه القُبُور، قَال النَّبي «فنَعَمْ إذًا»).. ويُقال أنَّ الأعرَابي مَات بالحُمّى فعلاً..! وإذَا أَردنَا التَّوسُّع في المَسْألَة، سنَستَدعي الإمَام «ابن القيّم»، حَيثُ يَقول في كِتَابه «الفَوائِد»: (النَّفس شَبيهة بالرّحى الدَّائِرة التي لَا تَسكن، ولَا بد لَهَا مِن شَيء تَطحنه، فإنْ وُضِع فِيهَا حَبّ طَحَنَتْه, وإنْ وُضع فِيها تُرَاب أو حَصَى طَحَنَتْه، فالأفكَار والخَواطِر التي تَجول في النَّفس، هي بمَنزلة الحَبّ الذي يُوضَع في الرّحى، ولَا تَبقَى تِلك الرّحى مُعطّلة قَط، بَل لَا بد لَها مِن شَيء يُوضع فِيها, فمِن النَّاس مَن تَطْحَن رحاه حَبًّا، يَخرج دَقيقا يَنفع بِه نَفسه وغَيره، وأكثَرهم يَطحن رَملاً وحَصىً وتِبناً، ونَحو ذَلك)..! وهَكَذا هي النَّفس البَشريّة، إذَا بَرمَجتها عَلى الخَير، ووَضَعْت مَفهوم الخَير دَاخل الرّحى، أَخْرَجَته لَك خَيرَات كَثيرة، وسَنَابل أَمَل، وإذَا بَرمجتها عَلى الشّر والتَّشَاؤم، كَانت مخرجَات الرّحى مِن قبيل التَّشاؤم والأشوَاك..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ تُبرمجوا أَنفسكم -بَعد هَذه الكِتَابَة- عَلى الجَمَال والحَقّ والخَير، وإذَا لَم تَجدوا النَّتيجة فَتّاكة وإيجَابيّة، فاشتكونِي إلَى أَقْرَب مَحكمة في مَدينتكم..!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :