أطياف الشامية.. وكلمات رثاء عن الفقيد خالد زيني آشي | عاصم حمدان

  • 5/5/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

** يأتي الموت على غير موعد، وتحط المنايا على أعتاب الأحياء صغارًا وكبارًا؛ لتختطفهم من بين أحبائهم، وأعز الناس لهم؛ ليستقروا في عالم الملكوت الأبدي، والنعيم السرمدي، ولعل ذلك بعض ما أحسستُ به عندما بلغني خبر الرحيل المفاجئ للأخ خالد حسن زيني آشي، وعادت بي الذاكرة لعقود مضت وتصرَّمت، وربما تزيد عن أربعين عامًا، عندما حططتُ الرَّحلَ في الدار العامرة للوالد المرحوم الشيخ عبدالله بصنوي، وأخيه الأديب حمزة، وكنت أقطع الدرب بين الشامية والمسجد الحرام، فاسترعى انتباهي تلك الدار المتميّزة التي تفتح أبوابها للزائرين من معظم أحياء مكة، وسألت محدثي فأجابني بأنها دار الشيخ زيني حسن آشي، أحد وجهاء مكة المكرمة في عصره، وكانت تجتذب شخصيات عديدة من جميع أحياء البلد الحرام من أمثال المشايخ: حمزة بوقري، وإبراهيم سليم، وحسين قزاز، ورشاد نقيب، والأديب لقمان يونس، وأحمد كعكي، وعربي المغربي، وغيرهم.. وقد استقر القوم جميعهم في سلام في ثرى الحجون والمعلاة، وتشاء الأقدار أن أرتبط بعلاقة ود وإخاء مع الأخ نور الدين حسن زيني، فكان يستقبلنا بأريحية في مجلس يطل على الشارع الرئيس لحي الشامية -الطيب الذكر- والذي دفنت معه ذكريات أثيرة بين قاعة الشفا، والبازان، وبرحة بنجر، ومكتبة الحلواني والتي كانت مقصدًا لجيل الروّاد. ** ومن خلال الصداقة التي أعتز بها مع الأخ نور الدين عرفت إخوته: عبدالعزيز -رحمه الله-، وعبدالجليل، ومحمد، وخالد، وأبناء عمومته، وهم كما عرفتهم -جميعًا- على قدر كبير من التربية الحسنة التي ورثوها عن آبائهم، واليوم والنفس تطوف بين تلك المعالم المندثرة، وتتملى تلك الوضاءة التي كانت تكسو وجوه القوم، وتتشوّق لماضٍ زاهٍ مازالت الذاكرة تختزن بعض إشراقاته وتجلياته، أجدني في شعور ممتزج بالألم أرثي الفقيد الذي ربما لا يعرف الكثير أنه كان فنانًا مبدعًا، وسألته ذات يوم ممازحًا: ألا تريد أن تهديني صورة للحي الذي عشت بين أفيائه ردحًا من الزمن -أعني الشامية-؟ فيصمت مبتسمًا، واليوم يغمض هذا المبدع الرقيق أجفانه ليستقر في الترب المبارك، ويتركني مرددًا في أسى قول الشاعر: عيني جودي بعبرة أسراب بدموع كثيرة التسكابِ إنَّ أهلَ الحصاب قد تركوني مُوزَّعًا مُولعًا بأهل الخرابِ كم بذاك الحجُون من حيِّ صِدق من كهولٍ أعفةٍ وشبابِ أهلُ دار تتابعوا للمنايا ما على الدهرِ من بعدهم من عتابِ فارقوني وقد علمتُ يقينًا ما لمن ذاق ميتةً من إيابِ أحزنتني حمولهم يوم ولُّوا من بلادي وآذنُوا بالذهابِ

مشاركة :