هل تحتاج الصحافة الى يوم عالمي يذكّر الناس بأهميتها وتأثيرها سواء أكانت ورقية أم الكترونية؟ لكنه ليس يوم الصحافة بشكل عام، وانما يوم حرية الصحافة . المعلوم أن الصحافة المقيدة لن تكون مؤثرة. وحين تجد الصحافة بيئة بلا قيود فإنها بالتأكيد لن تكون حرية مطلقة في التعبير . هذا هو الواقع في كل أرجاء العالم، وفي كل الدول مهما كانت طبيعة أنظمتها. كيف يمكن إذن أن تكون الصحافة غير مقيدة ومسؤولة في نفس الوقت؟ وكيف تكون مؤثرة إذا كانت مقيدة؟ وهل حرية التعبير التي تنادي بها كثير من الدول (المتقدمة) هي حرية ذات معايير ثابتة أم هي خاضعة للمصالح ؟ وهل حرية التعبير المطلقة حق من حقوق الانسان حتى لو تسببت في اشعال الحروب؟ تلك بعض الأسئلة التي ترد الى الذهن بمناسبة مرور اليوم العالمي لحرية الصحافة. وقد قيل إن حرية الصحافة لعام 2015 سوف تركز على التالي: _ وسائل إعلام مستقلة . _ المساواة بين الجنسين. _ السلامة للصحافيين ومصادرهم. تلك نقاط مهمة وإن لم تجب عن الأسئلة المطروحة. هناك مبادئ عامة يتفق عليها الجميع ولكن لكل بلد معاييره الخاصة. وعندما يتعلق الأمر بالدين أو الأمن الوطني فلن تكون الحرية مطلقة، ولن تكون كافة المعلومات متاحة . هذا هو الواقع بصرف النظر عن طبيعة النظام. الدول الديمقراطية مثلا لا يتحقق فيها الالتزام التام بأخلاقيات المهنة ومن أهمها المسؤولية، والمصداقية، والموضوعية. نتذكر ما فعلته المجلة الساخرة شارلي إيدو، وهو مثال واضح على الصحافة غير المسؤولة التي تسيء استخدام حرية التعبير وتساهم في نشر الفرقة والكراهية بين الشعوب. على عكس ما فعلته تلك المجلة يقوم صحافيون بأعمال بطولية ويتعرضون للخطر والقتل والاختطاف بحثا عن الحقيقة. يتواجدون في قلب الأحداث سواء أكانت سياسية أو عسكرية أو انسانية كما يحدث عند وقوع كوارث مثل الزلازل والبراكين. إنه الفرق بين من يبحث عن الحقيقة، وبين من يبحث عن إثارة تقود الى بث العداء والتقاتل بين الناس. هذا المثال عن المجلة الساخرة يجيب عن أحد الأسئلة التي طرحناها في مقدمة المقال حيث لم تكن المجلة مقيدة لكنها أساءت استخدام الحرية وأقدمت على عمل غير مسؤول . فهل من المنطق مثلا أن يزعم المسؤول عن هذه المجلة أن الاساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم هي حق في اطار حقوق الانسان ؟! أما السؤال حول كون الصحافة المقيدة غير مؤثرة فهذا صحيح ولكنه بالتأكيد لا ينطبق على الحرية غير المسؤولة. العالم يبحث إذن في اليوم العالمي لحرية الصحافة عن صحافة حرة ومسؤوله في نفس الوقت. تعزز حقوق الانسان لا تسيء اليها، صحافة تبحث عن الحقيقة بمعايير أخلاقية، صحافة تبني وتساهم في تعزيز مفاهيم الموضوعية والمصداقية، صحافة تحترم عقول الناس. صحافة تحترم الأديان والثقافات، صحافة حضارية تبتعد عن التعصب والعنصرية، صحافة تمارس دورها المؤثر في كشف الأخطاء والأخطار وانتهاكات حقوق الانسان، صحافة تساهم في ارساء السلام وليس إشعال الحروب، صحافة تنشد العدالة للجميع وتحترم حقوق الآخرين مثلما تطالب باحترام حقوقها.
مشاركة :