العُرف كان أقوى - عبد العزيز المحمد الذكير

  • 10/22/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

دعوني أجادل في القول أعلاه، وإن كانت المتغيرات الزمنية لها مكانها. إلا أن تقاليد الأمانة والثقة وسمو المفهوم للأمانة بين المجتمع كانت أرقى في الماضي مما هي عليه الآن. "يامِنْ غدتْ له" كانت نداء يُسمع في المدن والقرى في بلادنا، خصوصا وقت اكتظاظ بعد الخروج من صلاة العصر. كان الناس يسمعون المنادي بعبارة كهذه، أو بعبارة مماثله تُعطي عكس المعنى وهي "يامن عيّن.." ويذكر اسم المفقود. ففي الأولى من فقد ذلك الشيء، سلعة كانت أو أنعاما أو ملبسا أو إناءً عليه أن يذهب إلى دار القاضي أو الأمير، أو ذي ثقة ويصف الشيء المفتقد بكل تفاصيله الدقيقة، ووقت فقدانه وأين، فإذا انطبقت الأوصاف استلم المدعي ما افتقده بكل سهولة ويسر، وربما دفع "حفاظه" وهي نقداً أوعيناً حسب جوده وقدرته. وفي الثانية " يامن عيّن " بما معناه يا من رأى أو يامن يستطيع الإدلاء بمعلومة تقود إلى استرجاع المفقود. كل هذه الأمور أخلاقيات توارثها المجتمع القديم وطابت نفسه لها، ولم يفرضها نظام أو بنود أو لجان أو مراسيم. ولم يُحاول الناس – آنذاك - التخلي عنها. وقرأتُ أن تلك الأخلاقيات كانت موجودة عند أُمم أخرى فيما مضى من الزمان. فكان ال (تاون كراير) Town crier وتعني الجملة المنادي يقوم تقريباً بمثل هذا الدور. عندنا كانوا يسمّونه (المْشيّد). وأذكر أنني رأيتُ هذا الرجل في كرنفال تراثي في قرية بريطانية، وعندما سنحت لي الفرصة أجريتُ مداخلة لأقول لهم (للحضور) إن هذا تماما كان عندنا في المملكة قديما، فقط أن المنادي يتحرّك ولا يحمل عصا وطبلة. فاستساغوا الأمر ومكنوني من المايكرفون لأسرد لهم أشياء أُخرى، وأتلقى الأسئلة، مادام الموضوع تراثيا/ ثقافيا. أعلم أنه تصعب المقارنة بين زمنين، لكنني سمعتُ عن رجل عندنا في زمننا الحالي وقع في ورطة لعدم وجود نظام مُعيّن أو مرجعية معلومة لأشياء كهذه. فقد كان ذلك الخيّر يملك مزرعة وعددا من الإبل. وفي ذات يوم وجد بعيرا غريبا بين إبله وحاول بقدر الإمكان إبعاده لأن صار يأكل ويشرب، ويقتحم الشبك ليكون مع رفاقه. ذهب إلى البلدية التي مزرعته ضمن مسؤوليتها فاعتذروا بأن هذا ليس من مهماتهم. ذهب إلى الشرطة وقالوا عليك إحضاره والتعهد بطعامه وسقياه، ُثم غيروا رأيهم لعدم وجود المكان لإيوائه حتى يدعيه أحد أو يحكم الله له. أقول إن تلك الأمور يجب أن يكون لها مرجعية معينة يلجأ إليها الإنسان عندما تمر به "ورطة" كهذه. لأنها فيما يبدو متروكة وعائمة. لو كان عندنا (تاون كراير..!) يكون جزءا من الحل.

مشاركة :