كان خطاب النائب الكردي فرهاد أنجو في البرلمان التركي مزلزلا، ولأنه طالب الترك أن يعودوا من حيث أتوا من منغوليا وأواسط آسيا، واحتلوا هذه الأرض، وقد قاطعه النواب الترك ورئيس البرلمان، حتى قال له “هذا كلامك تقوله وأنت تأكل الكباب، فهو دعوة للإرهاب”. لكن النائب فرهاد استمر، وقال: اقتلوني! لا بد أن أقول الحقيقة. وظل مركزا على احتلال الأتراك السكاني للمنطقة، وكانت النتيجة أن ذهبت لاعتقاله قوة عسكرية بلا أمر قضائي. ظهرت هذه المشاعر بعد الاجتياح التركي للمناطق الكردية السورية، بقوة هائلة، بحجة مكافحة الإرهاب، لكن حزب العدالة والتنمية التركي الإخواني لا يعتبر دعم داعش إرهابا، ولا إيواء الجماعات الإسلامية بتركيا إرهابا، حتى أصبحت تركيا دار انطلاق للإخوان وبقية الجماعات. ليس اغتيال رئيسة حزب “سوريا للمستقبل” هفرين خلف، من قِبل ما يُسمَّى بالجيش السوري الحر التابع للقوات التركية، ليس أول ولا آخر الاغتيالات السياسية للشخصيات الكردية. اختطاف أول أمين عام حزب العمال الكردي منذ 1978، والشخصية الكردية المعروفة عبدالله أوجلان، عالق في أذهان الشعب الكردي، وكان تفكير السياسة التركية أن اختطافه وسجنه سينهي العمل العسكري للأكراد ولحزبه، لكن على خلاف ذلك تفاقم الكفاح المسلّح للحزب المذكور، وكانت عملية اختطافه من كينيا بعمل استخباراتي دولي، ففي فبراير 1999 كان أوجلان ضيفا لدى السفير اليوناني، وكانت بلاد الأخير داعمة للقضية الكردية، لما بين تركيا واليونان من علاقات متوترة، وبعد تطمين كيني على أن لا يُسلّم أوجلان لتركيا، ويبعد إلى مكان آخر، خُدّر وسلّم لعصابة من المخابرات التركية جاءت لاختطافه من مطار عسكري. كذلك في العام 2013 تم اغتيال ثلاث ناشطات كرديات في حزب العمال الكردي بباريس. اغتيال بالرصاص في الرأس في مقر المعهد الكردي بباريس. فقد عثرت الشرطة الفرنسية على طلقات فارغة بالقرب من جثثهن، حسب ما أعلنه مصدر أمني فرنسي في حينه والذي أضاف بأن المعلومات الأولية تفيد بأن الناشطات قد تمت “تصفيتهن”. وعلى الرغم من أن المخابرات التركية وراء عملية اغتيال النساء الثلاث، لكن لم تُكشف سرّ العملية، فالعلاقات الدولية تمرر تلك الجرائم، وهذا ما حصل مع اختطاف أوجلان. سوريا أبعدته من لبنان، يوم كانت تسيطر عسكريا هناك، وكينيا سلّمته بطريقة دنيئة والمخابرات الإسرائيلية والأميركية تعاونتا مع المخابرات التركية في الكشف عن تحركاته، ولولا الحملة الدولية لأعدم من يوم الاختطاف، وهو مازال في السجن، بعد نقله إلى جزيرة في بحر مرمرة. قبل فترة قُتلت عائلة كردية سورية كانت قد لجأت إلى كردستان العراق، وعاشت بقرية من قرى كسنزان التابعة لأربيل، وطريقة القتل للأب وأفراد عائلته الأربعة رميا بالحجارة. لكن لم يُثر السبب ولم يُكشف عن القاتلين. وسُجلت القضية ضد مجهول، القصد أن الأكراد بالمنطقة، من السوريين وأكراد تركيا وأكراد إيران، وعلى وجه الخصوص الناشطين منهم، صاروا ملاحقين بالاغتيال، مع إخفاء الجريمة. في السنة الماضية جرت محاولة اغتيال استهدفت الشخصية الكردية الإيرانية الأبرز في صفوف المعارضة، رئيس حزب “حرية كردستان إيران”، حسين يزداني بنا، بإطلاق شخصين يستقلان دراجة نارية النار على سيارته وسط مدينة أربيل، مما أدى إلى إصابة سائقه وحارسه الشخصي بجروح بليغة. وكان يعيش بأربيل كلاجئ لا كناشط مسلّح. هذا وما يزال القائد الميداني للجناح العسكري في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، صلاح رحماني، بين الحياة والموت، بعد تعرّضه لتفجير بواسطة عبوة لاصقة ثُبتت أسفل سيارته في أربيل نهاية الشهر الماضي، وأدّت إلى مقتل ولده. لم تعط ولاية الفقيه، أو مرشد الثورة الخميني، حقا قوميا لأحد، وظل الأكراد مرصودين لسببين، الأول قومي أنهم كُرد ويتحركون لحقهم القومي داخل إيران في الأقل، والثاني سبب مذهبي فهم مِن القوميات التي ظلت عصية على التشييع الصفوي، فاحتفظوا بسنيتهم ومذهبهم الشافعي، ومعلوم أن الأكراد بشكل عام يغلب المذهب الشافعي على انتمائهم المذهبي. مثلما لم تعمل فرنسا شيئا لتصفية الناشطات الكرديات بباريس، من قِبل المخابرات التركية، كذلك طوت النمسا عملية اغتيال الشخصية الكردية المعروفة عبدالرحمن قاسملو (1989) بفيينا، هو وبعض رفاقه، وكانت إيران الإسلامية قد وافقت على المباحثات مع قاسملو، وجرى ترتيبا ذلك، ولكن الذين حضروا من قِبل دولة الولي الفقيه مجرمين قتلة، فبادروا قاسملو ومن معه بالاغتيال، وكانت ألمانيا على ما يبدو وسيطة في الموضوع، ولكن العالم سكت وذهبت الجريمة، ولم يبق منها أثر إلا في نفوس الأكراد الإيرانيين. كان قاسملو شخصية أكاديمية، وفكرية، وزعيما للحزب الديمقراطي الكردستاني بإيران، وكان قد حصل على دعم من حزب “تودة” الإيراني، وهو الحزب الشيوعي الإيراني، والذي هو الآخر تعرّض أعضاؤه للسجون والإعدامات والتخوين بالتآمر. إن الدولتين التركية والإيرانية، بما فيهما من تعصب قومي ومذهبي، عند الأخير على الرد في المناطق الشرقية من كردستان، لم يكتفيا بالاغتيالات والتصفيات، وإنما صارت أرض العراق مسرحا لغزواتهما ضد الناشطين أو اللاجئين الأكراد من الدولتين، فبين تارة وأخرى تجتاح قوات الدولتين من الشمال ومن الشرق الأرض العراقية لتصفية الجماعات الكُردية، وإذا كانت تركيا لديها (حق) الاجتياح في عمق عشرين كيلومترا في الأرض العراقية، فإيران لها اجتياح العراق كافة، ذلك إذا علمنا أن مكتب قائد فيلق القدس مفتوح ببغداد، وأن قوات إيرانية تدخل وتخرج من دون معترض. عموما، ما تقدّم جزءا بسيطا من محاولات الاغتيال التركية الإيرانية في النشطاء الأكراد، وعملية شرق الفرات لمطاردة الأكراد على الأرض السورية اختزلت التعبير عن السياسة التركية الشيفونية، والمؤيدة من قِبل إيران بطبيعة الحال، وذلك لأن العدو واحد، وهو الشعب الكُردي. نقلاً عن "العرب"
مشاركة :