اللؤلؤ البحريني 1 /‏ 2

  • 10/17/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لازال اللؤلؤ البحريني يحظى بسمعة كبيرة في أسواق الذهب والمجوهرات، بل أصبح المستوى الذي يعرف به جودة اللؤلؤ من عدمه، خاصة وأن سجله التاريخي يشهد على أنه مطلب سيدات المجتمع والطبقة المخملية. لقد ظهر اللؤلؤ البحريني لأول مرة في النصوص الآشورية التي يرجع تاريخها إلى 2000 عام قبل الميلاد حين كان اسم البحرين دلمون وتايلوس (الاسم اليوناني)، وقد ذكر بلينيوس الأكبر أنها كانت شهيرة بالعدد الكبير من اللؤلؤ، ويعتبر العصر الذهبي للؤلؤ البحريني في الفترة  1930 - 1850م، حيث كان في البحرين حوالي 30000 غواص لؤلؤ كما ذكر حسن محمد النعيمي في مقالة صيد اللؤلؤ في البحرين إرث ثقافي عريق ونشر بمجلة فكر الثقافية. لقد احتفظت مدينة المحرق بمكانتها الاقتصادية حين تبوأت المراكز الأولى في جمع وتصدير اللؤلؤ الطبيعي، فقد كانت مدينة اللؤلؤ (المحرق) هي العاصمة القديمة للبحرين حتى العام 1932م، ويخرج منها أسطول بحري كبير لصيد اللؤلؤ في رحلة سنوية تستمر أربعة أشهر صيفية، لتنتعش معها الحركة الاقتصادية من بناء سفن الصيد وصيانتها، وشراء مستلزمات السفر والبحر وتوفير المؤونة وغيرها.  لقد ساهمت صناعة اللؤلؤ في ازدهار العاصمة القديمة (المحرق)، وأصبح اللؤلؤ علامة مميزة لهذه المدينة التي اشتهرت بالبناء المعماري الجميل مثل بيت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وبيت سيادي الأثري، وبيت بن مطر وغيرها، ففي الفترة التي كانت فيها (المحرق) تبني بيوتها من الحجارة البحرية والطين كانت بيوت بعض المدن الخليجية لا تزال تصنع من الخشب وعروق النخيل مثل (البرستيي)، لذا لا تزال (المحرق) تحتفظ بالكثير من البيوت القديمة التي تعود إلى ما قبل بدايات القرن العشرين. لقد حافظت (المحرق) على نسيجها المعماري ونمط شوارعها وطرقاتها ودواعيسها الضيقة الملتوية، لذا تكتسب جمالها وعبق تاريخها من تلك اللوحة المعمارية البانورامية الجميلة، ورمزيات الهوية العربية العريقة التي تشكلت في مناطق تسمى فرجان، ومفردها الفريج، وهو المكان الذي ينتسب الشخص له ويفتخر.   الچواچب البحرية وكانت سفن صيد اللؤلؤ بالمحرق تتزود بالمياه العذبة والأغذية قبل خروجها في عرض البحر، وكانت تحفظ مياه الشرب في خزانات كبيرة أسفل السفينة، وإذا أوشك الماء على النفاذ فإنها تذهب إلى أقرب (چوچب) في عرض البحر، حيث يفور منه الماء (العذب)، وقد كانت (الچواچب) منتشرة وبكثرة في مياه الخليج وبالقرب من البحرين تحديدًا، وأحيانًا يتم إيصال الماء ومواد الغذاء بواسطة سفن خشبية، وقد كانت سفينة النوخذة إبراهيم بن عبدالعزيز محمد الجودر (الرازجية) إحدى السفن التي تقوم بمهمة تزويد سفن صيد اللؤلؤ في الهيرات بالماء العذب والأرز والتمر والقهوة والشاي والسكر وغيرها. ورحلة الغوص والبحث عن اللؤلؤ مدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ويطلق عليها (الركبة)، والعودة من رحلة الغوص تعرف بـ(القفال)، وكان تحديد فترتها حسب العرف المتبع عندهم، وقد تم تنظيمها في عشرينيات القرن الماضي حين أصدرت حكومة البحرين قرارات ومراسيم لتحديد فترة الركبة والقفال، وهناك رحلتان آخريان للغوص، حيث يخرج بعض البحارة قبل موسم الغوص لفترة قصيرة تعرف بـ (الخانجية) وأخرى بعد الغوص وتعرف بـ (الرده). تتراوح أعداد البحارة في السفينة الواحدة التي طولها 35 قدمًا ما بين 50 إلى 69 بحارًا، ويتكون طاقم سفينة صيد اللؤلؤ من: النوخذة (قائد السفينة أو الربان) وهو الرجل الأول، وصاحب الكلمة الفصل، والمسؤول عن تحضير مستلزمات رحلة الغوص، وبيع محصولها من اللؤلؤ. الجعدي (نائب النوخذة) والمسؤول عن حراسة السفينة ومحتوياتها. المجديمي (نائب النوخذة) والمسؤول عن حفظ معدات ولوازم السفينة من شرع وحبال وصيانتها وغيرها. الغيص (الغواص) الذي ينزل إلى أعماق البحار لالتقاط المحار وتجميعه على ظهر السفينة ومن ثم القيام بعملية الفلق (فتح المحار) للحصول على اللؤلؤ. السيب (الساحب) للغواص من أعماق البحر لسحب الحبل (يدا) المربوط في الغواص بعد أن يستلم إشارة السحب. الرضيف (مساعد الساحب) وفي الغالب يكون صغير السن لذا يكتسب الخبرة حتى يجيد العمل ويصبح سيبًا يعتمد عليه. التباب (المعاون) على ظهر السفينة، ويكون صغيرًا قد لم يبلغ الحلم، وهو يقوم بمهام متعددة وبعد أن يكتسب الخبرة يترقى إلى وظيفة الرضيف، وفي الغالب يكون إبن النوخذة أو قريبه. جنان (كنان) ومهمته متابعة أعمال الحبال على السفينة، وتنظيمها، وطيها ووضعها في مكانها الصحيح. النهام (المنشد) على ظهر السفينة، فيغني لهم المواويل وأهازيج الغوص، وهو بهذا يشحذ همم البحارة في رحلتهم البحرية، فيرددون معه مقاطع المواويل ويميلون معه طربًا. راعي الشيرة (الغيص المتخصص في تخليص المرساة) عن تعلقها بصخور في قاع البحر. وكانت هناك أعراف سائدة لتمويل البحارة وتزويدهم بالمصاريف التي يحتاجونها وهي على ثلاثة أنواع يتم تحديد مقدارها من قبل مجلس الغوص المعينين من قبل الحكومة: (التسقام) وهي التي تمنح بعد شهرين من موسم الغوص، حيث يتعطل البحارة عن العمل لأكثر من ثمانية أشهر. (السلف) وهي التي تمنح قبل موسم الغوص لإعالة أهالي الغواصين في فترة غيابهم. (الخرجية) وهي تكملة السلف الأول، وتدفع للبحارة في فصل الصيف. ويعتبر صيد اللؤلؤ من المهن الرئيسيّة لأبناء المحرق خاصة في فترة ما قبل ظهور النفط في العام 1932م، وقد ازدهرت هذه المهنة في الخليج العربي لقرون طويلة، وشهدت (المحرق) نشاطًا كبيرًا حتى اعتبرت عاصمة اللؤلؤ، وكانت صادرات اللؤلؤ في العام 1877م ما يعادل ثلاثة أرباع صادرات البحرين.

مشاركة :