اشكر الأخوة الأعزاء على تواصلهم وملاحظاتهم القيمة بعد نشري مقالين عن «مسلسل محمد علي رود» وأذكر بعضها باختصار وهي:لا شك في أن المسلسل أعاد إلى اذهاننا ذكريات ماضية جميلة خاصة للذين عاصروا تلك الفترة أو سمعوا عنها, فقد كانت الهند محطة للكثيرين من مختلف دول العالم, وكان شارع محمد علي من الشوارع المهمة في مدينة بومباي ومعروف لدى الرواد الأوائل من التجار والطواويش والبحارة ورجال الأعمال وطالبي الرزق وفرص العمل والعلاج والدراسة والسياحة منذ بداية القرن الماضي. ومن الصدف السعيدة أنني زرته بمعية جدي وجدتي أثناء زيارتنا للهند للسياحة في عام 1966, وتجولنا في الشارع المشهور وكنت أنبهر عما يقوله جدي الحاج أحمد بن حسن إبراهيم عن الهند وحضارتها وتقدمها في كثير من المجالات, فقد عاصر وشاهد الكثير منها اثناء دراسته في الهند, وكان من أوائل الطلبة البحرينيين الذين درسوا بجامعة «عليكرة» في الهند مع جاسم وعلي ابني محمد بن أحمد كانو وخليل بن إبراهيم كانو في عام 1910, وسبقهما بسنة أو سنتين علي بن محمد يتيم, وقد كانت جامعة عليكرة الإسلامية أول مركز تعليمي إسلامي من نوعه في الهند لتدريس الدراسات العصرية والثقافة الإسلامية, وتم إنشاء الجامعة في عام 1875 من قبل السيد أحمد خان أحد أكبر المصلحين الاجتماعيين ومن رجالات الدولة المسلمين في عصره, ومازالت الجامعة تحتل موقعا فريدا بين الجامعات ومعاهد التعليم العالي في الهند الحديثة.ساهم المسلسل في تعريف الجيل الحالي بتقاليد وعادات وظروف المعيشة والتراث السائد في دول المنطقة والهند قبل اكتشاف النفط ولكنه أظهر التجار والطواويش والبحارة الخليجيين في مدينة «بومباي/مومباي» بأنهم من مهربي الذهب واتسمت علاقاتهم فيما بينهم وبين التجار الهنود بأعمال إجرامية ومخالفة للقانون في حين أن أغلب أعمالهم وتجارتهم كانت شرعية وقانونية واتسمت بالمحبة والوفاء والثقة المتبادلة والذي أدى إلى قيام شركات تجارية ومصاهرات عائلية بين جميع الأطراف, وكما ان التواجد الخليجي والبحريني في الهند كان قبل الفترة التى أظهرها المسلسل فقد تواجدت عائلات كثيرة ومعروفة من خلال أولادهم أو أقربائهم أو معارفهم أو وكلائهم الذين كانوا يقومون بالإشراف على أعمالهم وتجارتهم وممتلكاتهم, وقد كان يطلق على بومباي «مانشستر الشرق» بسبب تقدمها في مختلف المجالات التجارية والزراعية والصناعية وخاصة في صناعة النسيج وبها سكة حديد منذ 1853, ولموقعها البحري المهم ارتبطت بعلاقات تجارية مع العديد من المدن والموانئ ومنها البصرة وجدة ومكة المكرمة منذ منتصف القرن الثامن عشر ما جعلها مركزا لحركة التجارة والملاحة الإقليمية والعالمية والخليجية ومركزا للاستيراد والتصدير وبوابة وصول اللؤلؤ البحريني والخليجي إلى الأسواق العالمية, وتواجد بها العديد من التجار الآسيويين والأوروبيين والأمريكيين ما أسهم في أن يقيم بعض التجار والطواويش بها إقامة دائمة. وهناك الكثير من منازل العائلات الخليجية والبحرينية كانت ومازالت محفورة في وجدان الأشخاص الذين عاصروها, وتخللها الكثير من قصص النجاح, وترك أغلبهم بصماتهم من خلال أعمالهم الخيرية وإنشاء المساجد وأماكن الإقامة للوافدين أو عابري السبيل والتي كانت تعرف «بسكن المحتاجين» من غير مقابل أو معرفة بهم, ومن هؤلاء التاجر البحريني محمد بن أحمد بن هجرس الذي بنا جامعا ما زال قائما في مومباي وأوقف الكثير من الوقفيات للجامع وللأعمال الخيرية. وقد توفي بعضهم ودفن في مقبرة المسلمين, ومنهم الحاج حسن بن سلمان بن إبراهيم السلمان في عام 1922. وامتد الوجود البحريني والخليجي إلى مدن هندية أخرى مثل: حيدرأباد، ميرج، بونا، كراتشي، كوتشين والتى يطلق عليها «ملكة بحر العرب» وجوادر والتي كانت تحت سيادة سلطنة عمان حتى عام 1958.أحداث تهريب الذهب التى أظهرها المسلسل من قبل بعض التجار الخليجيين والهنود كانت بعد استقلال الهند في 15 أغسطس 1947 تحت قيادة الزعيم نهرو الذي أخذ بالنظام الاشتراكي مع إبقاء النظام الرأسمالي تحت ضوابط شديدة, منها منع استيراد الكماليات واللؤلؤ والمجوهرات والأشياء الثمينة ما أدى إلى عزوف التجار الهنود عن شراء اللؤلؤ الخليجي, وأدى قيام الصراعات العرقية في أغلب المدن الهندية قبل وأثناء انفصال باكستان تحت قيادة الزعيم محمد علي جناح إلى هجرة الكثيرين من العوائل العربية والخليجية والبحرينية ورجوعهم إلى بلدانهم بعد توافر العديد من فرص العمل والتعليم وارتفاع المستوى الاقتصادي والمعيشي بسبب مداخيل النفط. أعلمني الأخ العزيز السيد محمد كمال الدين عن بعض المعلومات القيمة عن الشارع الشهير, وذلك بعد تعيينه قنصلا في مدينة مومباي في بداية عام 1975, وقد زاره السيد أحمد بن عبدالرحمن الزياني في مبنى القنصلية واقترح عليه زيارة هذا الشارع واثناء تجولهما بسيارة القنصلية طلب الزياني من السائق الوقوف أمام مبنى كبير ولكنه قديم وكان ملتقى لكبار تجار وطواويش اللؤلؤ وتعقد به الصفقات لبيع اللؤلؤ البحريني الذي كان يعتبر من أجود اللآلئ الخليجية, وعند دخولهما المحل تبادلا السلام والحديث مع صاحب المحل وتعرف على الزياني, وخلال الزيارة ومعاينة المحل الذي يبيع عملات ومقتنيات قديمة كانت هناك عملة هندية معدنية صغيرة وقديمة مكتوب عليها كيكة سكة والجهة الأخرى تحمل اسم البحرين فاشتراها بخمس روبيات مع ساعة جيب قديمة تعمل وبها سلسلة وورقة مذكور بها بأنها ساعة مصنوعة يدويا من بحار عماني بمائتي روبيه, وبعد ذلك واصلا تجولهما بالسيارة في الشارع الذي يعتبر من أطول شوارع مومباي, وبعد مسافة 200 متر اشار الزياني إلى السائق للانعطاف إلى اليمين ووقفا أمام مبنى كبير وقديم وكان سكنا للحاج إبراهيم الفردان الذي كان معروفا لدى جميع التجار, وكانوا يلقبونه بدكتور لخبرته في اللؤلؤ, وبعد قطع مسافة أخرى نظر الزياني بشوق إلى أحد البيوت وقال هذا بيت جدي حجي عبدالوهاب الزياني اشتراه في عام 1928 ومن شوقه للبيت فانه يمر عليه كل اسبوع. وبعد قطعهم مسافة أخرى أشار إلى مجموعة من ستة بيوت كانت لتجار من الكويت وأعلمه عن عائلات كثيرة ارتبطت وسكنت في الشوارع المتفرعة من شارع محمد علي مثل: زبر وجبر المسلم والعريض حيث إن هذه المناطق كانت من أهم مناطق سكن تجار الخليج والبحرين. وقد أعلمه الزياني أن علاقات العمل السائدة في ذلك الوقت بين التجار كان أساسها الكلمة اكثر من كتابتها على الورق واعلمه عن وجود عوائل بحرينية عديدة كانت لهم بيوت وسكنوا فيها وكما قاموا بتعيين أشخاص هنود يسمونهم «حجا دي» ووظيفتهم ان يجلسوا في المحلات. وأعلمني السيد محمد كمال الدين أنه سكن في فندق «تاج محل» لمدة سنتين حتى شراء القنصلية شقة في «سري نوبل رود» في منطقة اسمها «مالي بالهيل» واسم البناية «سلفر ستار» وأعلمنى وهو يبتسم أنه خلال تلك الفترات الطويلة التي تمتد إلى شهور حدثت العديد من الزيجات من قبل التجار والطواويش والعوائل الهندية وتكونت العديد من الأسر المشتركة. yousufsalahuddin@gmail.com
مشاركة :