تقوم حكومتنا بعرض منجزاتها سنويا، وهذا تواصل مفيد يحفز الناس على المشاركة في الحوار. إن الهدف من الملتقى الحكومي كما ورد على لسان وزير مجلس الوزراء هو «الحفاظ على مصداقية الحكومة أمام المواطن في تنفيذ برنامج الحكومة». ويضيف وزير العدل أن الحكومة تسعى إلى تقديم «أرقى الخدمات للمواطن» ويرى وزير التربية أن الهدف هو «التواصل مع الجمهور الداخلي والخارجي». نعم إنها فرصة تواصل وعرض منجزات ونضيف أنها كذلك فرصة لمراجعة الأداء وتقييم المسار وإجراء أي تصحيح بهدف الارتقاء بالخدمات ورفع مصداقية الجهات الإدارية والتنفيذية أمام المواطن. وهذا لا يعيب أحدا فالعمل الإنساني بطبيعته يحتاج إلى استمرار التحسين. ومن مبدأ أن أي عمل يرتقي بالنقد الموضوعي والمناقشة الجادة، وهنا كان بودنا أن نسمع رأي جمعية الاقتصاديين فيما يطرح من مقترحات. من أهم عوامل الأمن والاستقرار هو شعور المواطن بحسن أداء الحكومة ومصداقية ما يطرح في الواقع، وان يكون ما يطرح قابلا للتقييم بشكل موضوعي. وهذا يحتاج إلى الاتفاق على كيفية إبراز الأداء وما هي المؤشرات التي تستخدم. فتعزيز المصداقية يحتاج إلى قدر من الشفافية وتَوَفر المعلومات ونشرها بشكل دوري مع إقرار حق الحصول على المعلومات لتعزيز هذه الثقة والمصداقية. ووفق وزير العدل فإن الدولة ملتزمة بتقديم «أرقى الخدمات» وهذا يحتاج إلى تعريف لمعنى الرقي ووضع مؤشرات أداء تتفق مع التعريف وما الغاية من رفع مستوى الخدمات. من هذا المنطلق هناك بعض الجوانب تستحق أن تبرز. فقد ذكر السادة الوزراء أن هناك تحديات تواجه الدولة يمكن تحويلها إلى فرص بفضل الكوادر الوطنية المتوافرة. وهذا يعني أن نُعَرِّف هذه التحديات ونعمل على وضع البرامج للتعامل معها وتحويلها إلى فرص. أما أهم التحديات التي نراها فهي مستوى تنوع الاقتصاد الذي تحقق؛ جودة التعليم وأثرها في التنمية؛ رفع مستوى المعيشة للمواطن وخلق فرص عمل للشباب؛ بالإضافة إلى تأثير سياسات سوق العمل وسياسة الانفتاح على نشاط الأعمال والحركة التجارية بشكل عام. أولا يرجع تاريخ هدف تنويع الاقتصاد إلى السبعينيات ونحن الآن أحوج ما نكون إليه. وأداء الحكومة الأهم هو في مدى تحقيق تنوع اقتصادي وسرعة الانتقال به إلى اقتصاد معرفي إنتاجي يعتمد بشكل متزايد على الإنتاج السلعي والخدمي والمعرفي. في تقرير الحكومة المنشور اعتمدت على القطاعات غير النفطية للتدليل على نجاح هذا التنوع. وذكرت أن الزيادة في القطاعات غير النفطية كانت 47% مقارنة بعام 2018, وهذه زيادة كبيرة لكن لم تتضح تفاصيل هذه الزيادة وأي القطاعات كانت له المساهمة الأكبر. بمراجعة صادرات البحرين غير النفطية في عام 2018 نجد أنها تمثل 40% فقط من مجمل الإيرادات غير النفطية. وهذا يعني أن لدينا عجزا في الميزان التجاري تغطيه الصادرات النفطية. لذلك نرى أن من المؤشرات الهامة في نجاح التنويع الاقتصادي هو نسبة الصادرات مقارنة بالواردات. في الوقت الحالي النسبة هي 40% وفق بيانات 2018, ونسبة الصادرات هذه ينبغي علينا زيادتها لكي نخفف اعتمادنا على النفط. فمثلا يؤكد وزير النفط ضرورة توطين صناعة النفط لجعل الاستثمار في هذا المجال مجزيا. هذا التوجه من شأنه أن يقلل من الإنفاق للخدمات النفطية وبالتالي يساعد الحساب الجاري لصالح البحرين. وتفعيلا لتوطين صناعة النفط يحث وزير النفط الشباب نحو التعليم الهندسي والفني، وهنا من المهم أن تتبنى وزارة النفط هذا المسار وتعمل على تفعيل دور إدارة التدريب والبعثات وخلق جيل من المهندسين والفنيين كما كانت شركة نفط البحرين تقوم بذلك في السابق (برنامج الابرنتس). النقطة الثانية: تتعلق بالجوانب التنموية وعلاقتها بالتعليم. التحول نحو اقتصاد معرفي إنتاجي أساسه التعليم والتدريب والتفوق في المواد العلمية والرياضيات. وفيما يتعلق بمستوى الأداء فإن تقارير الجودة تبرز أعدادا متزايدة من المدارس تحصل على تقدير «غير ملائم». وهذا يتطلب من وزارة التربية إجراء دراسات، بالتعاون مع هيئة الجودة، تقف على أسباب تدني مستويات التعليم الواردة في تقارير الهيئة، ووضع حلول من هذه الدراسات ومن تجارب الدول الأخرى. لذلك نرى أننا بحاجة إلى مؤشر للتعليم ينسجم مع الغاية من التعليم. فإذا كانت الغاية هي خلق إنسان صالح ومواطن منتج يخدم المجتمع ويندمج في سوق العمل ويرفع إنتاجيتنا وقدرتنا على الابتكار والإبداع والريادة فلا بد من وضع مؤشرات تعتمدها الحكومة لتقييم مدى تقدمنا في هذه المجالات. القضية الثالثة تتناول العوامل الاجتماعية مثل مستوى البطالة ومستوى خط الفقر والحد الأدنى للدخل وتأثير ذلك على المجتمع. فمثلا يقول وزير العمل إن الوزارة تمكنت من توظيف 17700 فرد وبنهاية السنة يكون قد تم توظيف 24 ألف مواطن. هذا جهد تشكر عليه الوزارة لكن هناك تعريفات لا بد أن نضعها لكي نستطيع أن نناقش قضايا البطالة ومستوى خط الفقر والحد الأدنى للدخل. لدينا شباب يتخرج سنويا له طموح وأمامه مستقبل، ونرى أن من واجب الوزارة نشر المعلومات المتعلقة بالبطالة. فمثلا كم نسبة الذين يتوظفون من الشباب بعد عام من تخرجهم؟ الأمر الآخر، ما هي مؤشرات تطور أوضاع الطبقة الفقيرة؟ هذه المؤشرات نتطلع إلى تناولها في التقارير السنوية مستقبلا. كما أن مقتضيات الأمن والاستقرار تتطلب أن يحصل كل إنسان في البلاد على حد أدنى من الدخل يكفل له حياة كريمة وهو هدف للتنمية المستدامة. القضية الرابعة أهمية دراسة تأثير برنامج التوازن المالي على أداء الهيئات التنفيذية ونتائجه الاجتماعية والاقتصادية ومدى تأثر السوق إيجابيا بذلك. فمثلا في قطاع التعليم خرج 3700 مدرس وإداري من الخدمة، فما هو تأثير ذلك على التعليم؟ السؤال الثاني، هل الوقت مناسب لسحب سيولة من السوق من خلال الضريبة والرسوم وما هي نتائجه على حركة السوق؟ هناك حديث عن خروج بعض التجار من السوق فما أسباب ذلك؟ وقد رافق برنامج التوازن المالي تقليص بعض جوانب الدعم وخفض الإنفاق بشكل عام فما تأثير ذلك على القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة والفقيرة في المجتمع والآثار الاجتماعية لذلك؟ هذه أفكار تحتاج إلى التعامل معها من أجل تعزيز المصداقية والاستقرار ودفع عجلة التنمية دوما إلى الأمام.
مشاركة :