«الخرف الرقمي».. فيروس الذاكرة البشرية

  • 10/18/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: زكية كردي شريحة ذاكرة إلكترونية أصبحت تحتوي على الأرقام، والمعلومات، والصور. عمليات كثيرة سهلت الحياة، لكنها في الوقت نفسه بدأت تحل بديلاً عن الدماغ البشري، فلا أحد يجهد نفسه ليجري عملية حسابية ذهنية، أو يحفظ أرقام الهواتف، أو يحشو كمّاً من المعلومات، وهذا ما بات يشكل خطراً يسمى «الخرف الرقمي»، خاصة بالنسبة إلى الأطفال والشباب، كما نقرأ في السطور القادمة.النسيان، والكسل الذهني، يعتبران من أبرز أعراض الخرف الرقمي، وتعتقد نوار عوض، مدرّسة لغة إنجليزية، أن الأطفال هم الأكثر تهديداً، لأنهم فتحوا أعينهم على الدنيا ليجدوا أنفسهم في عالم يعتمدون فيه على الهواتف والشاشات الذكية، فلم يستوعبوا معنى اضطرارهم لتخزين المعلومات وحصرها في أدمغتهم، طالما أنها موجودة في هذا الجهاز الصغير الموجود في أيديهم على الدوام، وترى من خلال تجربتها مع أبنائها، ومع الأطفال عموماً، أن النقاش مع الأطفال بشأن المعلومات ذاتها، والمسابقات والتحديات التي تحفز الذاكرة والاحتفاظ بالمعلومة توقظ رغبة الأطفال بالتعلم، والاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من المعلومات. في الماضي كانت سحر الغزي، ربة منزل، تحفظ عشرات الأرقام الخاصة بهواتف الأهل والأصدقاء، ولا تجد أي صعوبة في الأمر، فالذاكرة كانت لا تزال مرنة ومستخدمة، ولا بديل لها، وتقول: اليوم نعجز في بعض الأحيان عن تذكر أرقامنا عندما يمتلك الشخص أكثر من رقم، ورغم أن الجميع يتحدث عن مشكلة تراجع الذاكرة بسبب الاعتماد على الهواتف الذكية، إلا أن لا أحد لديه الحل، لكن ما يقلقني حقاً هم الأطفال، الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في هذه المتوالية، بعد اعتمادهم الشديد على هذه التقنيات ليدمنوها، رغم محاولات الأهل، فتشعر كأن ذاكرة أحدهم انتقلت إلى الهاتف الذي بيده، فإن فصلته عنه توقفت عنده الحياة.وتوافقها الرأي سوسن موصلي، مصممة حقائب للسيدات، بأن أمر تراجع الذاكرة أصبح شائعاً لدى عامة الناس، ومعظمهم يكرهون ضمور ذاكرتهم، وأدمغتهم، بسبب الاعتماد على الهواتف الذكية، والابتعاد عن الكتابة، والقراءة، وتقول: قليلون الذين يكتبون على الورق، أو يبذلون مجهوداً لحفظ الأرقام، حتى المواعيد صارت مرتبة على الأجندة الرقمية في الهاتف المحمول، وهذا يسهل الحياة طبعاً، لكنه يخلّف أضراراً جمة على أدمغتنا على المدى البعيد. وتضيف: بحكم العادة ما زالت مقربة من الورقة والقلم، وأفضّل أن أرتب أفكاري على الأوراق.أحياناً تلعب المواهب دوراً في تحصين الذاكرة من الخرف الرقمي إلى حد ما، خاصة إذا كانت الموهبة تتعلق بالأرقام التي تستهوي محمود حسن، مدير محل مبيعات، وابنه الصغير. يقول حسن: ورث ابني عني حب الأرقام والعمليات الحسابية السريعة، ولأننا نمتلك الموهبة ذاتها، بدأنا نتنافس منذ طفولته، فنتحدى بعضنا بعضاً بحفظ الأرقام، وإجراء العمليات الحسابية بسرعة، وقد تنبهت مؤخراً إلى أن هذا يحمي ذاكرته، وخلايا الدماغ إلى حد بعيد.وعلى النقيض نجد أن الموهبة وحدها لا تكفي، خاصة عندما يستغني الشخص عن استخدامها ليتحول إلى الوسائل العملية والأسرع، مثل هند عبدالله، موظفة حكومية، حيث تقول: كنت أتمتع بذاكرة حديدية في السابق، والجميع يعتمدون عليّ لكوني الشخص الذي لا ينسى، بل كنت أبهر الجميع بكمّ المعلومات التي أحتفظ بها، لكن مع سنوات طويلة من الاعتماد على ذاكرة الهاتف الذكي، ومعلوماته الحاضرة لم أفقد هذه القدرات وحسب، بل صرت أنسى أشياء لا ينساها الأشخاص العاديون، كنسيان الغاز مشتعلاً بعد الانتهاء من تحضير الطعام، ونسيت قفل سيارتي ذات مرة، فظلت تعمل حتى اكتشفت الأمر صباح اليوم التالي، وهذا أكثر موقف صدمني، وأشعرني بأنني يجب أن أجد حلاً لهذه الحالة المخيفة التي بدأت أمرّ بها، ولا شك في أنه الخرف الرقمي، وأتمنى أن تكون الدراسات قد توصلت إلى حلول، أو علاجات لهذه الظاهرة. القدرات المعرفية أصدر مانفريد سبيترز، خبير الأعصاب الألماني كتابه بعنوان: «الخرف الرقمي» عام 2012، وحذّر فيه من انهيار القدرات المعرفية والإدراكية عند الأطفال والمراهقين؛ بسبب الإفراط في استخدام التكنولوجيا الرقمية، كما أظهرت دراسة حديثة، أن أكثر من 60 % من الشباب تراجعت ذاكرتهم، وأصبحوا ينسون؛ بسبب إدمانهم واندماجهم على اللعب بهذه الهواتف، وأشارت إلى أن هذا الاعتماد الكلي؛ يؤدي إلى زيادة فرصة نمو الجانب الأيسر من العقل، بينما يظل الجانب الأيمن الذي يرتبط بالذاكرة والتفاصيل غير مستغل أو غير كامل النمو، ما ينجم عنه تراجع قدرة التحكم الذاتي في المشاعر، والإضرار بقدرة المعرفة، وربما يؤدي ذلك إلى إصابة 15% من الحالات بأعراض الخرف والزهايمر المبكر.أما عن النصائح التي خلصت إليها الدراسة، فأشارت إلى ضرورة دعم الشباب والمراهقين بفيتامين «ب»؛ لتخفيض كمية الخلايا الدماغية الميتة، وتنشيط الذاكرة، لافتة إلى حقيقة أن الابتعاد بشكل كلي عن الأجهزة الإلكترونية في عصرنا الحالي؛ يعد من الإجراءات الصعبة، ما يستدعي التعامل مع الأمر بعقلانية، بتخصيص ساعات محددة لها، ومحاولة الحد من الاعتماد عليها، مع تجنب المشكلات التي يسببها الإفراط باستخدامها.

مشاركة :