{ مخطئ من يعتقد أن الشعوب بالإمكان التحكم فيها، سواء كان ذلك بتغييب الوعي، أو بفرض السلطة بالقوة، أو بتقسيمها وفرض «المعطيات الفاسدة» عليها! دائمًا الشعوب وحدها هي محرِّك التاريخ، وهي التي تكنس في النهاية كل من يقف أمام تطلعاتها الطبيعية في حياة كريمة، حتى لو فشلت مرة، أو تباطأت مرات، لكنها في النهاية هي التي تمتلك كلمة الفصل الأخيرة! بالنسبة إلى لبنان هذه المرة، فجأة انتفض الشعب اللبناني بكل أطيافه وطوائفه على «المقاييس المتخلفة» التي أرادت القوى الداخلية وسلطة «حزب اللات» التابعة حتى النخاع لإيران أن تحكمها بها! حتى تحولَّت لبنان من عروس الشرق وقبلة السياح، ونبع الثقافة والفكر والرقي إلى شوارع سوداء بها أكوام زبالة كثيرة في ظل فساد حكم «الطائفية السياسية والمحاصصة»! { في تطور غير مسبوق، تمرَّد الخميس الماضي «مساءً» الوعي الشعبي اللبناني، على كل ما تمّ ترسيخه من فساد السلطات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الأهلية واتفاقية الطائف.. التي جاءت لتنقذ الشعب اللبناني، من حرب أهلية ضروس أكلت الأخضر واليابس، ولكن لم يتم الالتزام بجوهرها، بل تمّ البناء على (ثغراتها) المحكومة بمعطيات تلك المرحلة لتتكرّس مع الوقت تلك الثغرات وخاصة مع ازدياد هيمنة «حزب اللات» الإيراني في لبنان، ليصبح «دولة فوق الدولة»! نقول لتتكرس كل عوامل استلاب حقوق المواطن اللبناني، وتضييعه في المصالح الضيقة للأحزاب وللقائمين على الطائفية والولاء لإيران!، حتى وصل لبنان إلى الحضيض، وتدهور وضع الشعب اللبناني ككل في كل أحواله المعيشية وفي بنيته التحتية، وليعمّ الفساد في فصل دراماتيكي، وليتبارى المتنفذون في سرقة المال العام، وإفقار الشعب اللبناني، ويعترف رئيس الوزراء اللبناني، في كلمته إلى المتظاهرين «الجمعة الماضي» فيما معناه أن الشركاء ويقصد «حزب اللات» يعرقلون كل حلول الإصلاح! وأن الحكومة في النهاية التي يرأسها لا تملك القرار، وإنما القرار بيد «فريق رئيس الجمهورية» أي فريق حلف «عون وعميل إيران» في لبنان! { لقد وصل الحال في لبنان كما في العراق تحت الهيمنة الإيرانية ومرتزقتها وعملائها وميليشياتها إلى الحضيض! ليدرك اللبنانيون كما العراقيين أن «الطائفية السياسية والمحاصصة هي أنماط سلطة خارج التاريخ والحضارة والتطوّر»! وضدّ نماء البلد ونهضته، ولذلك يطالب الشعبان اليوم، «بالدولة المدنية وبتغيير الدستور وإلغاء الطائفية السياسية، وإحلال «حكومة تكنوقراط» بدائرة انتخابية واحدة» وحيث «بيان الشعب اللبناني» المتمثل في المتظاهرين، الذين خرجوا من رحم الوجع والقهر هو «استقالة كل رموز السلطة من رئيس الجمهورية إلى الحكومة إلى البرلمان» وتشكيل حكومة طوارئ تمهيدًا لتشكيل حكومة جديدة بعيدًا عن كل وجوه الطغمة السياسية الحالية، و«تغيير المنظومة السياسية» التي جاءت كنتاج قديم للحرب الأهلية واستمرت منذئذٍ! ولعل من المطالب المهمة للشعب اللبناني هو «رفع الحصانة عن السرّية المصرفية العالمية للسياسيين» لمعرفة حجم السرقات وإعادتها إلى الشعب الذي تفتقر حياته إلى كل أبجديات الحياة الطبيعية في أدنى مستوياتها! { إذا كان الشعب اللبناني قد بدأ احتجاجاته الخميس الماضي على تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وعلى الضرائب، فإنها سرعان ما انتقلت إلى الاحتجاج على «كامل الوضع السياسي» وعلى وجوهه والأحزاب والتركيبة السياسية، وأصبحت انتفاضة بمطالب شاملة! ولكن الخوف ونحن نكتب هذا المقال هو «اندساس» ملثمين يبحثون عن تلطيخ صورة «الكلمة الموحدة للشعب» بالعنف، وتوجيه البوصلة إلى الفوضى، حتى تضيع ملامح هذا «الوعي الشعبي» الجديد، الخارج من كل الأطر، والرافض للأحزاب ولكل القوى السياسية المتحكمة في مصير لبنان كوطن وكشعب! { لا أحد يعرف مصير هذه الانتفاضة، لأن القوى المتحكمة ليس بإمكانها القمع فقط، وإنما جرّ البلاد إلى فتنة كبرى وفوضى، قد تعمل على إدخال لبنان في دهاليز أكثر ظلامية مما يعيشه اليوم في ظل تحكم «حزب اللات» الإيراني به! إنه صراع الشعب مع كل أوجه الفساد والسرقات، وكل أوجه التحكمّ والهيمنة، التي تجعل من لبنان الحضاري رهينة في يد مرتزقة إيران! فهل سيصمد شعار (واحد واحد لبنان واحد)؟! ذلك ما نتمناه للشعب اللبناني لاستعادة حياته وحضارته وبكل أطيافه وطوائفه، واثقين أن الشعب هو من سيقول كلمة الفصل في النهاية مهما طال الزمن حتى لو ميَّع السياسيون مطالبهم. الوعي الشعبي ارتفع ولن يتراجع!
مشاركة :