في الأنظمة الديموقراطية توجد إلى جانب الانتخابات أدوات ديموقراطية أخرى كجمعيات النفع العام والبلديات وتدوير في مواقع القرار السياسي وغيرها أمور كثيرة، أما هنا فالتناقضات هي سيدة الموقف. لنضرب مثالا على جمعية الشفافية. في الكويت نعيش أجواءً ديموقراطية، أو نحن ندعي أننا كذلك حينما نقارن أنفسنا بجيراننا المقربين. لكن بالتأكيد نعيش على مسافة بعيدة من الأنظمة الديموقراطية الحقيقية كالغرب، لا بأس في ذلك لأن الديموقراطية هي أساساً وليدة لثقافة وعقيدة المجتمعات، وبالتالي لا ضير أن يتبنى المجتمع نظاماً يتماشى مع ثقافته. أما الادعاء بأن الديموقراطية هي النجاة ويجب أن تُطبق بحذافيرها فقط لأنها ناجحة لدى الغرب، فهذا بالتأكيد لا معنى له. بل الاسوأ أنها قد تكون مدمرة كما يحصل من حولنا بحجة الديموقراطية. ففي الكويت الأمور تقريبا تقترب إلى الديموقراطية أكثر من النظام المركزي لأن الدستور يجمع بين الأمرين كما يشرح الدستوريون. لكن الغريب أن النظام الدستوري المختلط يجمع في داخله تناقضات مضحكة. فمثلا كحال جمعية الشفافية التي تعمل كجمعية نفع عام ووظيفتها الأساسية محاربة الفساد ورصد ونشر كُل ما من شأنه إيقاف لهذا الفساد، لكنها في ذات الوقت وبحسب قانونها الأساسي لا يجوز لها أن تمارس عملها ضمن الإطار السياسي والدولي، ولهذا السبب أوقفت وزيرة الشؤون مجلس إدارتها برئاسة الدكتور الغزالي وعينت بدلاً عنه مجلساً مؤقتاً جديداً. الموضوع من أساسه خطأ. فإما قانون الوزارة بخصوص جميعات النفع العام خطأ، أو القانون صحيح ومقنع لنا كمواطنين لكن الخطأ يكمن في عدم السماح لمؤسسات كمؤسسة الشفافية أن تعمل وترى النور من البداية وتُمنع لأن اصل وجودها يناقض القوانين. فإما هذا صح، أو ذاك صح. لكن الأمرين معاً ينتج عنهما التناقض المضحك. فكيف لمؤسسة كالشفافية أن تعمل من دون أن تتدخل في السياسة وتعطي رأيها!، أليست أغلب مشاكلنا وفسادنا يأتي من تبني بعض الأطراف النيابية لعصابات الفساد؟، أليست الشيكات المدفوعة تمت لنواب؟، ألم يعترف بعض النواب أنهم تسلموا شيكات؟، ألم تنشر الصحف أخباراً عن القبيضة؟، أليس من بين النواب من ينتمون إلى مجموعة الفنطاس؟، أليس من بين النواب مخرجات الفرعيات؟ ثم أليست هذه الجمعيات هي شكل من أشكال السياسة الخارجية للكويت كي تثبت للعالم أنها صافية نقية طاهرة من الفساد؟ فكيف لهذه المؤسسة أن تعمل هي وأخواتها (كالفساد وحقوق الانسان) من دون الانتساب للعالم الخارجي؟! هذه مجموعة بسيطة من الأسئلة التي إما أنها ستضحكنا كونها دليلا على سطحية قوانين الوزارة، أو لسذاجة وبساطة عقلية المسؤولين في الوزارة لقبولهم تشكيل هيئة باسم «الشفافية»!، فالواضح انه توجد لخبطة كبيرة في التنفيذيين ونظامنا التشريعي. فعمل الشفافية كالطبيب في المستوصف الذي يجب أن يتقيد بتعليمات أمين المستوصف بعدم صرف وصفة الدواء! عموماً عندي تعليق أخير حول الموضوع. هل قرار الوزيرة جاء لأنه متناغم مع القوانين، أم لانه جاء بعد تصريحات النائب نبيل الفضل؟، ثم ان كانت مخالفة، لماذا تُركت أيام المعارضة السابقة؟ وماذا لو كان الغزالي سلفياً أو ليبرالياً «تجارياً» وليس إخوانياً كما يتهمه الفضل؟ مجرد اسئلة نتركها للقراء لتحليل معنى الفساد السياسي (أو المصلحة السياسية). hasabba@gmail.com
مشاركة :