قراءة في مجموعة فهد الخليوي القصصية (مفارقات)

  • 10/25/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

(مفارقات) مجموعة قصص قصيرة جدا عددها ثمان وخمسون، أغلبها لا يستغرق إلا أسطرا قليلة؛ تختزل في سطر أو أقل أحياناً، عناوينها تتكوّن من مفردة نكرة، والقليل منها من نكرتين متضايفتين. ومن الملاحظ أن مايزيد على نصف العناوين من أسماء المعاني التي تدل على الحدث مجرداً من الزمان والمكان، ومنها ما يقع في حقل سلبي يتسم بأنه مأزق، مثل: (ضياع، فساد، إرهاب، صراع، غضب، مكابدة، ظلام، جحود، مازوشية، وخزة) ومنها يدل على فعل إيجابي يوحي بالفرح مثل (عناق، غنيمة، جمال، اكتشاف، لقاء، تسامح، خلود، شجاعة) ويمكن تصنيف هذه القصص افي ثلاث مستويات: الأول: ومضات توقيعات سردية تستغرق أكثر من نصف المجموعة، وتتراوح ما بين السطر والسطرين، وتتكوّن – في الغالب - من مشهد يتبعه فعل ينير الموقف، ففي قصة (أحفاد) اجتماع حول الحفيد وانفضاض عنه ثم تغييب لوجوده (فعل وردفعل وغياب): حضر الأحفاد استأنس بهم الجد انفضّوا من حوله فطار، إنها لحظة وجودية تلخّص معنى الحياة: حضور مبهج، فغياب قاهر ،تتشكّل من سمتين جماليتين: إحداهما لغوية ترتبط بطبيعة السرد تتمثل في التتابع السريع للأفعال الماضية في إيقاعها المتدافع: (تحلّقوا هبطوا قبلوا طاروا) متصلة بحركة الأطفال (فعل جماعي) سلسلة من الأفعال الماضية التي قام بها الجد (شعر تألم استجمع طار) شكّلت ردّة الفعل ثم لحظة النهاية ، انسجام واتساق. والثانية: التصوير الحركي الكثيف للأطفال في مشهد سينمائي متحرك يقابله مشهد بطيء الحركة، الحركة الأولى خارجية واقعية والثانية داخلية مجازية: سيمفونية قصيرة تعزفها أنامل صانع ماهر ومنها قصة زهايمر التي تذكرنا بقصة تحمل العنوان نفسه للدكتور غازي القصيبي. أما المستوى الثاني فهو الذي لا تزيد فيه القصة عن نصف صفحة أو أقل، فهي في الغالب تروي أكثر من حدث وتضيء نهايتها ما أشكل من معنى، مثل القصة المعنونة (ضياع) عند مفترق الطرق، الأمر الذي دفع القائد ذا اللحية المبعثرة أن يشدّ شعيراتها بتوتر شديد يبحث عما يبرر به الهزيمة فثمة أحداث: الضياع بعد الوصول إلى مفترق الطرق وشدّ شعيرات اللحية كثافة في الوقائع ولحظة توتر وتلميحات رامزة و فضاء مفتوح. المستوى الثالث وفي المستوى الثالث تأتي القصص التي لا تقل مساحتها عن صفحة ولا تزيد في الغالب، وهي الأقل عددا وتنهض على مفارقة أوسع شبكة من الأحداث بطلها قط سمين وقطط جائعة: خرجت القطة السمينة من القصرفتاهت في الطرقات الشعبية، لم تتمكن من العودة للقصر راقبتها القطط وحاصرتها عند مكبّ النفايات وانقضت عليها لتمزقها إرباً: حوادث مترابطة لها بداية الخروج من القصر، وذروة تمثلت في عجزها عن العودة للقصر ولجوئها إلى النفايات، وخاتمة تمزيقها إربا من قبل القطط الأخرى، رمزية يمكن إسقاطها على عالم البشر والتوسع في التأويل. ما تشترك به مع سائر المستويات المفارقة. ومهما يكن من أمر فإن هذه المستويات الثلاثة من القصة القصيرة جداً تشترك جميعها في جملة خصائص: الأولى تصوير لحظة زمنية متوترة بالغة القصر، كثافة لغوية تتمثل في منظومة متلاحمة من الجمل تكاد تخلو من أدوات العطف، وأناقة لغوية و مفردات رشيقة وتراكيب بعيدة عن الترهّل (مجرومة) أي خالية من الكلمات التي لا تؤدي دوراً دلالياً في القصة.

مشاركة :