قراءة في المجموعة القصصية «مقهى الموت» للقاصة فاطمة النهام

  • 8/14/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

البحرينيات المثابرات والتي تعمل باستمرار لصقل موهبتها عبر القراءات المكثفة والمشاركات في المجموعات السردية والمسابقات الداخلية والخارجية المتعلقة بالقصة القصيرة، وكذلك النشر في الصحف المحلية والعربية، الإلكترونية منها والورقية، إضافة إلى عضويتها في الملتقيات الأدبية ومنها ملتقى القصة القصيرة بالبحرين، والرابطة العربية للآداب والثقافة وجمعية المحافظة الجنوبية الثقافية الاجتماعية. وقد حصدت فاطمة ثمار هذه المثابرة فحققت الفوز في عدد من مسابقات القصة على مستوى الوطن العربي وأحرزت مراكز متقدمة فيها، كما عُيّنت سفيرة للرابطة العربية للآداب والثقافة بمملكة البحرين، هذا إلى جانب نشاطها التربوي إذ تشغل حاليًا منصب أخصائية إرشاد اجتماعي أولى ونشرت مقالات تربوية على حساب إنستغرام «التعليم مستقبل البحرين» وأيضًا على المنصة الإلكترونية لورش قطر الندى. فاطمة النهّام هي إحدى القاصات وقد صدر لهذه القاصة مؤخرًا مجموعة قصصية جديدة بعنوان (مقهى الموت)، وهي المجموعة الثانية لها بعد مجموعة (يوميات أخصائية اجتماعية) الصادرة عام 2020م، ويسرني أن أتطرق إلى المجموعة الجديدة ببعض الانطباعات والملاحظات، أولًا كوني متابعًا لمسيرة هذه الكاتبة، وثانيًا لأني مهتم بالقصة القصيرة. صمم الغلاف الخارجي للمجموعة ابنة الكاتبة، الفنانة أمل خالد أمين، التي تسير على خطى والدتها في الكتابة والرسم، وهو غلاف جميل وجذاب، كما قامت بالاشتراك مع شقيقتها الصغرى أسيل برسم اللوحات الداخلية المرافقة للقصص، وهذا شيء يعبر عن اعتزاز الأم بموهبة ابنتيها والحرص الدائم على تشجيعهما ومشاركتهما الإبداع، وقد وجدت هذا الشيء أيضًا في المجموعة الأولى للكاتبة. وكما أشرت سابقًا منذ تطرقي لتلك المجموعة، فإن هناك رأيين أو اتجاهين حول رسم لوحات مرافقة للقصص، أحدهما يؤيد ذلك ويرى أن اللوحة تجعل القصة جذابة ولافتة للنظر ومشجعة على قراءتها، بينما يرى الرأي الآخر أن وضع اللوحة يقتل التخيّل لدى القارئ ويحدد تفكيره ومن الأفضل جعل القصة دون أي لوحة وإطلاق العنان للقارئ لتخيّل أحداثها أو فكرتها كما يشاء. تتميز هذه المجموعة بوجود بعض القصص من أدب (ما وراء الطبيعة) أو الخارقة للطبيعة، ومنها قصة (مقهى الموت) التي سنتطرق إليها بعد قليل، وقصة (الجمجمة) التي تصف عالم فيزياء يذهب إلى المقبرة في ساعة متأخرة من الليل ويحفر قبر زوجته ويستخرج جمجمتها ويتوجه بها إلى بيته ويضعها على الطاولة ثم يحاول جادًا أن يتحدث معها لكنها لا ترد، فيغضب ويرمي بالجمجمة على الأرض ويخرج من البيت. وبعد خروجه بلحظات ينبعث صوت مفاجئ من الجمجمة يقول: ماذا تريد يا حبيبي؟ وتنتهي القصة. كذلك قصة (الغرفة رقم 9) التي تتحدث عن شبح متمثل في امرأة موجودة في إحدى غرف فندق ما، حيث يقصده شاب في ليلة ممطرة فيقول له الموظف أنه لا يوجد لدينا إلا غرفة رقم 9 وبها شبح، لكن الشاب يصر على الإقامة في هذه الغرفة ويتفحصها ولا يجد فيها ما يثير الاستغراب أو يدل على وجود شبح، فينام هانئًا تلك الليلة، وفي الصباح يغادر الفندق وبعد خروجه ينظر الشاب من الخارج إلى الغرفة المذكورة فيرى فتاة تطل من نافذتها، فيصاب بالذعر والاندهاش. وفي هذه المجموعة تطرح الكاتبة ولو بشكل غير مباشر قضايا المرأة، ومنها زواج الرجل بزوجة ثانية بعد أن تكون الأولى أفنت حياتها في خدمته وفي تربية الأطفال، ونجد ذلك في قصة (حقيبة السفر) التي يسافر فيها البطل إلى الخارج بحجة ذهابه في مهمة عمل قصيرة، ولدى وصوله إلى «برلين» نتفاجأ بامرأة شابة وشقراء في استقباله في المطار وبرفقتها طفلان صغيران. ومنها أيضًا قضية تزويج البنت في سن مبكر جدًا وهي لا تفقه من أمور الحياة شيئًا وتهميش الزوج لها، فتظل كالخادمة التي مهمتها القيام بالطبخ والكنس وغسل الملابس بالإضافة إلى رعاية الأطفال، ونجد هذا في قصة (ثوب النشل) وهو الثوب الذي ارتدته الفتاة عند زواجها ثم ركنته في صندوق الزواج لمدة عشرين عامًا دون أن تهنأ به طيلة هذه المدة، فتقوم بإخراجه وتقطيعه بالمقص إلى قطع صغيرة وترمي به في الشاطئ. من قضايا المرأة التي تطرقت إليها القاصة أيضًا تزويج الفتاة بمن لا تحب وتفضيل الشاب الغني على الشاب الفقير الذي تربطه بها علاقة حب طويلة، ونرى ذلك في قصة (ورود البنفسج) إذ نجد الشاب الوفي لحبيبته يأتي كل يوم إلى شرفة منزلها ويضع باقة (ورود البنفسج) لكي تأخذها، ويستمر في هذا العمل حتى بعد زواج الفتاة من رجل ثري وابتعادها عنه. ومن القصص المؤثرة التي توضح مكانة الأم ودورها وحنانها وحبها الشديد لأولادها قصة (أمل) التي تروي الأيام الأخيرة لوالدة الكاتبة: «لم تفارقها يوما، اعتادت المكوث معها والالتصاق بها كأنها جزء لا يتجزأ من روحها. أحبتها بكل عواطفها ومشاعرها، بل بكل خلية من خلايا جسدها، لأنها حبيبتها وصديقتها وأقرب الناس إلى نفسها». وشيئًا فشيئًا تتدهور الحالة الصحية للأم وترقد في المستشفى، وتفقد النطق. وتمر أوقات عصيبة على العائلة تنتهي برحيل الأم إلى بارئها وهو أمر الله وقضاؤه الذي لا يرد. وعرفانًا ووفاءً لهذه المرأة الراحلة تسمي البطلة مولودتها الجديدة (أمل) تخليدًا لاسم والدتها الحبيبة. قصة مشحونة بالألم والفجيعة. وفي القصة التي حملت عنوان المجموعة، أي (مقهى الموت)، وهي كما أشرنا سابقًا من أدب ما وراء الطبيعة، نعيش لحظات من الرعب والفزع في مقهى فخم ذي ديكور فاخر وأثاث باهظ الثمن، يطل على حديقة غنّاء مليئة بالبرك التي تسبح فيها طيور الفلامنجو بانسيابية. هذا المقهى نكتشف لاحقًا بأنه مصيدة تقوم بها عصابة مجرمة لجذب الزبائن عن طريق النادلة الحسناء، ثم ذبحهم وأكلهم بوحشية بأنيابهم الحادة وأيديهم الملطخة بالدماء قبل تجميع عظامهم وبيعها لاحقًا على عصابة أكبر. «للحظة شعرت وكأنّ قلبي قد توقف عن النبض. وجدت جثة لرجل، ممددة على الطاولة، منزوعة الأحشاء. اتسعت عيناي برعب وأنا أتأمل نادلي المقهى الذين كانوا يتناولون تلك الأحشاء بشراسة. كانوا يمزقونها بأنيابهم الحادة، والدماء تبلل ملابسهم، والأسوأ أن شقرائي الرقيقة تشاركهم الوليمة! إذن فالعظام البشرية القابعة في الخزانة الملكية هي لضحاياهم!! لقد وقعت في كارثة حقيقية. ليت قدميّ لم تطأ هذا المقهى. في لحظة ما وجدت نفسي في هذا المكان، وحدي مع مجموعة من آكلي لحوم البشر، والأبواب مقفلة بإحكام». كما نكتشف في النهاية أن هذا المقهى دأب على نصب شباكه للزبائن وقتلهم، وأن مصير الشاب الذي دخله مسحورًا بهذه الفتاة الشقراء، هو نفس مصير غيره من المرتادين. مهدي عبدالله - كاتب ومترجم بحريني

مشاركة :