أرسلت موسكو ودمشق، أمس، تعزيزات عسكرية إضافية إلى مناطق شرق الفرات في شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا، وذلك غداة إعلان واشنطن إرسال قوات جديدة إلى مناطق سيطرة الأكراد لحماية حقول النفط. وكانت القوات الأميركية انسحبت من نقاط عسكرية عدة حدودية مع تركيا كانت تتواجد فيها في محافظتي حلب والحسكة، وهو ما اعتبر ضوءاً أخضر لأنقرة لتنفيذ هجوم على الأكراد في التاسع من أكتوبر. ولجأ الأكراد بدورهم إلى الحكومة السورية فتوصلوا إلى اتفاق معه نشر بموجبه قوات في مناطق كانوا يسيطرون عليها، بينما أبرمت تركيا اتفاقاً مع روسيا، حليفة الرئيس السوري بشار الأسد، سمح لهذه الأخيرة بدورها بنشر قوات في مناطق انسحب منها الأكراد. لكن وزارة الدفاع الأميركية أعلنت، أمس، أنّها خطّطت لتعزيز وجودها العسكري في شمال شرق سوريا لحماية حقول النفط. وتقع أبرز حقول النفط في شمال شرق وشرق سوريا بمحافظتي دير الزور والحسكة، وبالتالي ليست موجودة في المناطق ذاتها التي انسحب منها الأميركيون أو التي شهدت معارك بين القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها من جهة وقوات سوريا الديموقراطية «قسد» التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية أبرز مكوناتها. ويضيف كل ذلك مزيداً من التعقيدات حول مصير منطقة الإدارة الذاتية الكردية التي انسحب الأكراد هذا الأسبوع من جزء كبير منها تحت ضغط العدوان التركي، وما إذا كانت ستبقى تحت نفوذ أميركي أو ستتحول إلى منطقة تتحكم روسيا بمستقبلها. وأرسلت روسيا إلى مناطق حدودية بين سوريا وتركيا تعزيزات بنحو 300 عسكري إضافي كانوا منتشرين سابقاً في الشيشان، في إطار اتفاقها مع تركيا. وأكدت وزارة الدفاع الروسية في بيان نقلته وكالة أنباء تاس الروسية، أمس، أن نحو 300 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية «كانوا منتشرين سابقاً في جمهورية الشيشان وصلوا إلى سوريا للقيام بعمليات خاصة». وستعمل هذه العناصر، وفق البيان، على ضمان سلامة المدنيين وتقديم المساعدة للقوات الكردية في عمليات الانسحاب، مما تسميه أنقرة «المنطقة الآمنة» الممتدة بعمق 30 كيلومتراً وطول 440 كيلومتراً على الحدود التركية السورية. وبدأت القوات الروسية منذ الأربعاء الماضي تسيير دورياتها في المناطق الشمالية قرب الحدود مع تركيا. وفي قرار مفاجئ، أمس، أعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أن «الولايات المتحدة ملتزمة تعزيز موقعها في شمال شرق سوريا بالتنسيق مع شركائنا في قوات (قسد)، عبر إرسال دعم عسكري إضافي لمنع سقوط حقول النفط هناك مجددا بيد تنظيم داعش أو لاعبين آخرين مزعزعين للاستقرار». وتُسيطر قوات «قسد» حالياً على أبرز حقول النفط السورية المنتشرة في محافظتي دير الزور والحسكة. وقبل ساعات من الإعلان الأميركي، أكد القائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي، في لقاء مع صحفيين، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكد له في اتصال هاتفي أن الأميركيين «سيبقون هنا فترة طويلة»، مشيراً إلى أنه ناقش مع «الجهات العسكرية الأميركية تموضعها من جديد في مناطق معينة». وكتب الباحث في معهد الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس على موقع «تويتر»: «أظن أن قيادة قسد قررت أنه من الأفضل أن تبقى في فريق الولايات المتحدة على أن تخضع للأسد عبر روسيا». وبعد ما اعتبروه تخلياً من واشنطن عنهم، لجأ الأكراد إلى دمشق لمواجهة التدخل التركي في مناطق سيطرتهم، وتم التوصل إلى اتفاق انتشرت إثره قوات حكومية في مناطق حدودية عدة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، عن دخول قافلة جديدة لقوات النظام مؤلفة من عشرات الآليات إلى منطقة كوباني وانتشارها قرب الحدود. وأفاد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن عن اشتباكات مستمرة منذ أمس الأول، قرب تل تمر بين الفصائل الموالية لأنقرة من جهة وقوات «قسد» والجيش السوري من جهة ثانية. إلى ذلك، اتهمت منظمتا العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش» أنقرة، أمس، بأنّها رحّلت سوريين قسراً إلى بلدهم خلال الأشهر التي سبقت إطلاق عمليتها العسكرية في سوريا. واتهمت منظمات حقوقية دولية تركيا بإجبار سوريين على توقيع وثائق تفيد بأنّهم يريدون العودة «طوعاً» إلى سوريا، وذلك عبر «الخداع أو الإكراه»، لافتة إلى أن «عناصر من الشرطة التركية ضللوا سوريين بالقول لهم إنّ التوقيع على الوثيقة، المكتوبة باللغة التركية وبالتالي التي لا يمكن لكثيرين قراءتها، يعني أنهم يعربون عن رغبتهم بالبقاء في تركيا أو لتأكيد استلامهم بطانية». كما أفادت بأن عمليات العودة لا تعتبر حتى الآن آمنة وطوعية، مضيفة أن ملايين اللاجئين الآخرين من سوريا عرضة للخطر الآن. ودعت إلى وضع حد لإعادة الأشخاص قسراً. ومنذ بدء تركيا عدوانها، فرّ أكثر من 300 ألف مدني من بلداتهم وقراهم الحدودية، وفق الأمم المتحدة. مواجهة بين أنقرة ودمشق أمام مجلس الأمن تبادلت سوريا وتركيا تصريحات حادة خلال مواجهتهما الأولى أمام مجلس الأمن الدولي على خلفية الهجوم التُركي على الأراضي السورية، الذي بدأ في 9 أكتوبر. وندّد السفير السوري لدى الأمم المتّحدة بشّار الجعفري، مساء أمس الأول، بشدة بـ«العدوان» التركي على بلاده، معتبراً أنّ من «الغريب» أن تستخدم أنقرة المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة حول الدفاع الشرعي عن النفس من أجل تبرير عمليتها العسكرية. ودعا الجعفري إلى «الاحترام الكامل للسيادة السورية» وسحب جميع القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا. ورد نظيره التركي فريدون سينيرلي أوغلو بالقول: «أرفض وأدين بشدة أي تحريف للعملية التي قمنا بها وإظهارها على أنها عمل عدواني». واعتبر أن الأمر كان يتعلق بـ«عملية محدودة لمكافحة الإرهاب»، مشيراً إلى أن العملية «لم تستهدف سوى إرهابيين»، على رغم من سقوط عشرات المدنيين، وتهجير زهاء 300 ألف شخص حسب تقديرات الأمم المتحدة.
مشاركة :