تستعد بريطانيا لإجراء انتخابات مبكّرة في شهر ديسمبر بعد أن تمكّن رئيس الوزراء بوريس جونسون من انتزاع موافقة البرلمان على إجراء هذا الاستحقاق، أملا منه في أن يؤدي ذلك للخروج من أزمة انفصال لندن عن الاتحاد الأوروبي. وستكون هذه أول انتخابات تجريها المملكة لأول مرة منذ حوالي قرن من الزمن في شهر ديسمبر. ووافق 438 من أعضاء مجلس العموم، الثلاثاء، على طلب جونسون إجراء انتخابات مبكّرة قبل نهاية العام الحالي مقابل معارضة 20 عضوا. وسيكون من الصعب التكهن بنتيجة أول انتخابات تجرى في بريطانيا خلال موسم عيد الميلاد منذ عام 1923، لكن هذا لا يمنع توقّع مآلات تنفيذ بريكست حسب ما ستفرزه نتائج الصندوق. وإذا تمكّن زعيم المحافظين وحزبه من استعادة غالبية مريحة في البرلمان المتكوّن من 650 عضوا فإنه سيقطع بذلك شوطا كبيرا نحو تنفيذ بريكست بالاتفاق الذي توصل إليه مع بروكسل الخميس الماضي. وكان جونسون قد تمكّن من الحصول على موافقة البرلمان على هذا الاتفاق مبدئيا، والذي ترفض بروكسل أن يتم المساس به أو أن يتم إجراء أي تعديلات بشأنه، وهو ما يجعل الكرة في ملعب البريطانيين. وبالرغم من ضمانه الموافقة على شكل الاتفاق فإن امتناع النواب عن التصويت لصالح التسلسل الزمني لعملية مغادرة المملكة للتكتل الأوروبي أرغم جونسون على طلب إجراء انتخابات مبكّرة، بغية ضخ دماء جديدة للبرلمان بطريقة تتيح له تنفيذ التزاماته مع الأوروبيين. ويبدو جونسون متفائلا بهذه الانتخابات نظرا إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجريت تشير إلى تقدمه وحزبه بعشر نقاط على خصومه من حزب العمال المعارض. وفي إطار حثه لرفاقه المحافظين على المضيّ قُدما في دعم إستراتيجيته والعمل على تحقيق انتصار سياسي سيكون تاريخيا بلا شك لأنه سيقطع حتما مع أزمة بريكست. قال جونسون بعد تصويت البرلمان لصالح إجراء انتخابات مبكّرة “حان الوقت لتوحيد البلاد وإنجاز الخروج من الاتحاد الأوروبي”. وطلب جونسون الذي كان قد تعهد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر، مرارا إجراء انتخابات لإنهاء ما يعتبره كابوسا يقوّض ثقة العامة في الساسة. وفي المقابل يوجد سيناريو آخر قد يكون في الانتظار بعد الاقتراع في بريطانيا، حيث يأمل زعيم حزب العمال المعارض جيريمي كوربين بدوره في انتزاع أكبر عدد من المقاعد في البرلمان بحكم صعوبة تحقيقه انتصارا كاسحا على المحافظين، ومن ثمة التوجّه نحو تشكيل حكومة اشتراكية. وليس هذا فحسب ما يرنو إليه كوربين فحزبه وممثّليه في البرلمان يرفضون نسخة الاتفاق الحالية، ويتشبثون ببصيص أمل في إجراء استفتاء ثان حول تنفيذ بريكست، وهو ما يطرح إشكالا لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي. وقال كوربين، الثلاثاء، إن قرار بروكسل بتأجيل خروج لندن من التكتل حتى 31 يناير “خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، تمت تلبية شرطنا المتمثل في سحب خيار الخروج دون اتفاق عن الطاولة”. وتابع “سنطلق الآن أكثر الحملات طموحا وراديكالية من أجل تغيير حقيقي لم تشهده بلادنا على الإطلاق”. وتسببت أزمة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في استياء واسع بين الناخبين، كما أدّت إلى تراجع ثقة الأنصار التقليديين للحزبيْن الرئيسييْن، حزب المحافظين وحزب العمال. ولكن السيناريو الأهم والذي يخشاه الجميع، لاسيما بروكسل التي بدأت تظهر علامات تململها في تصريحات القادة الأوروبيين، فيتمثل في عدم تحقيق أيّ من الحزبين انتصار كاسح ليظل مصير بريكست معلّقا. وفي حال ذهبت نتائج الانتخابات في هذا الاتجاه فإن تنفيذ خروج المملكة من التكتل الأوروبي سيكون أمام خيارات تتراوح بين انفصال فوضوي دون اتفاق أو إجراء استفتاء آخر يلغي عملية الانفصال برمّتها. ويعتبر كوربين الانتخابات فرصة من أجل تغيير حقيقي، ويصف حزب العمال الذي يتزعمه بأنه بديل اشتراكي للتفاوت الاجتماعي وللعلاقات الوثيقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي يقول إنها تميز قيادة رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون. ووعد بتأميم شركات السكك الحديدية والمياه والطاقة، وفرض ضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة لتمويل خدمات عامة. وأطلقت الأحزاب البريطانية حملاتها الانتخابية، الأربعاء، استعدادا لهذه المحطة التي سيحسم فيها أمر بريكست. وكان موعد تنفيذ بريكست قد أرجئ ثلاث مرات منذ أن صوّت 52 بالمئة من الناخبين البريطانيين لصالح الخروج من التكتل الأوروبي في استفتاء 2016. وكانت المملكة نظمت انتخابات عامة مرتين في السنوات الأربع الماضية، في عامي 2015 و2017، وكان يفترض أن تجري الانتخابات التالية في عام 2022، لكن جونسون يحاول الفوز بأغلبية تسمح له بالمضيّ قُدما في إقرار قوانين تفعيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وفشلت، الاثنين، محاولته الثالثة للحصول على موافقة البرلمان على الانفصال مبكرا وإجراء انتخابات عامة في 12 ديسمبر، بعد أن ظل بعيدا تماما عن نيل التأييد المطلوب لثلثي النواب، لكنه قدم عرضًا جديدًا لنفس التاريخ الثلاثاء باستخدام إجراء برلماني مختلف لا يتطلب سوى أغلبية بسيطة. واستشار وزراء حكومته لوضع خطة إستراتيجية مسبقة قبل جلسة صعبة أخرى لمجلس العموم يمكن أن تمتد حتى الليل. وتعدّل محاولة جونسون الجديدة القوانين الحالية التي تتطلب أغلبية الثلثين من خلال اقتراح التصويت على مشروع قانون بسيط يتضمّن موعد الانتخابات. وقال للمشرعين بعد إسقاط مقترحه الاثنين، “هذا المجلس لا يمكنه أن يُبقي هذا البلد رهينة”. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن نتيجة الانتخابات المبكرة الجمعة 13 ديسمبر. وكانت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي راهنت في عام 2017 على انتخابات مبكرة لكنها فقدت فيها أغلبيتها الضئيلة، وهي الخسارة التي منعتها في نهاية المطاف من ضمان إقرار البرلمان لاتفاق خروج المملكة من التكتل الأوروبي الذي توصلت إليه والذي وضع حدا لمسيرتها السياسية بعد استقالتها. وأدّى عجز بريطانيا عن فك ارتباط عمره نصف قرن مع الاتحاد الأوروبي إلى وقف الاستعدادات الباهظة لخيار الخروج دون اتفاق، ومن بينها مشروع لسك قطعة نقدية تذكارية للمناسبة بقيمة 50 سنتا.
مشاركة :