كان الشيخ أبو حنيفة يلقي درساً على طلابه وهو مادُ رجليه (لألم في ركبتيه) عندما دخل عليهم رجلٌ حسن المظهر يبدو عليه الوقار. تحامل الشيخ على ألمه وثنى قدميه احتراماً لهذا القادم. بعد مدة سأل ذلك الرجل الشيخ أبا حنيفة: متى يفطر الصائم؟ أجاب الشيخ: إذا غربت الشمس. فقال الرجل: ماذا لو لم تغرب الشمس؟ فقال الشيخ: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه. وصار قول أبي حنيفة بعد ذلك مثلاً، ورغم الاختلاف حول القصة إلا أنها تنتهي بنفس المقصد. لقد أصبحت المظاهر الخارجية هوساً مرضياً عند كثير من أفراد المجتمع. فلماذا أُعتبر الاهتمام والحرص الزائد على المظاهر الخارجية هوساً؟ يُعرف الهوس بأنه: اضطراب في سلوك الفرد وأفكاره ومعتقداته. وللأسف صار معظمنا ضحية الاهتمام بالمظاهر الخارجية، وأصبح الحكم الأول على الشخص يكون من خلال مظهره الخارجي، وبالتالي فإن الرسالة الأولى التي يتلقاها الشخص الذي نتعامل معه يتم على أساس مظهره وملابسه. لا خلاف أن الحرص على الأناقة ومواكبة الموضة من الأمور المهمة والمستحسنة في العلاقات الاجتماعية ويساعد على النجاح في الحياة. ولكن اللافت للانتباه أن الحرص المتمثل بمواكبة الموضة قد تعدى مجرد البحث عن الظهور بشكل أنيق ومقبول، وأصبح هاجساً وهوساً في محور حياة الشباب حتى صاروا ضحية لإتباع آخر صيحات وخطوط الموضة بغض النظر إن كان ذلك يناسبهم أو لا يناسبهم، أو كان ذلك يراعي أو لا يراعي بيئتنا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية. فالمهم هنا هو اتباع آخر صيحات الموضة بأي شكل من الأشكال. نعم وللأسف صرنا نجد أن الشباب بصفة عامة والمراهقين بصفة خاصة هم ضحية ذلك الهوس من خلال بحثهم عن التفرد والتميز وجلب الانتباه، والحصول على القبول الاجتماعي، إنهم يعتقدون أن في ذلك شكلا من أشكال التعبير عن الذات والتواصل مع الآخرين. ومع غياب القدوة الحسنة في حياة هذه الفئة، وبسبب عدم اكتمال النضج الفكري لديهم، يصبحون أكثر عرضة من غيرهم للتأثيرات الخارجية، وخصوصاً وسائل الإعلام المتنوعة. لذا كان من الطبيعي أن تصبح هذه الفئة هي الضحية الأكبر لصرعات الموضة، لدرجة أن بعض الأسر صارت تشتكي من ثقل الضغوط المادية الناتجة عن إتباع آخر خطوط الموضة. لا ضرر من متابعة صيحات الموضة، ولكن انتقي ما يليق بك ويعبرعن شخصيتك ويناسبها، وتذكر أن بحثك عن التميز والتفرد يكون من خلال إنجازاتك وإبداعاتك الشخصية، فالإنسان الواثق من ذاته لن يزيده إتباع الموضة ثقةً بنفسه أمام الآخرين، ولأن قدرك واحترامك أمام الغير لا يكون بعرض الملابس وآخر صيحات وخطوط الموضة. إن الاعتدال في اللباس واحترام الضوابط الاجتماعية هو السبيل الأمثل للتخاطب والتواصل مع الآخر، وستكون هويتك وانتماؤك لمجتمعك على المحك أمام الآخرين في حال تخطيك لهذه الضوابط، لأن أول ما سيتلقاه منك الآخرون هو طريقة تفكيرك وثقافتك، وسيحكمون عليك من خلال ذلك. إن الله جميل يحب الجمال، ويقولون العين تعشق كل جميل، فكن جميلاً في جوهرك وارتدي ما يناسبك تزداد جمالاً ورونقاً. * مدرب الحياة والتفكير الإيجابي Twitter: t_almutairi Instagram: t_almutairii talmutairi@hotmail.com
مشاركة :