أراد أحد خبراء إدارة الأعمال في إحدى المحاضرات الكشف عن سر من أسرار النجاح في الحياة. أحضرالخبير صخوراً كبيرة الحجم ووضعها بعناية في وعاء زجاجي أمام الحاضرين ثم سأل: هل هذا الوعاء ممتلئ؟ فأجاب الجميع: نعم. ثم سحب كيساً آخر مليئاً بالحصى الصغيرة ملأ فيها الفراغات بين الصخور الكبيرة، ومن كيس ثالث صب الأستاذ رملاً في ذات الوعاء، ثم أحضر ماء وصبه في الوعاء حتى امتلأ، وسأل: ترى ما هي الحقيقة التي نستخلصها من هذه التجربة في اعتقادكم؟ أجاب أحد الموجودين بحماس، أنه مهما كان جدول المرء مليئاً بالأعمال، فإنه يستطيع عمل المزيد إذا توفرت لديه الرغبة والإرادة. وبهدوء أجاب الأستاذ: المقصود هو أننا لو لم نضع الصخور الكبيرة أولاً، ما كان بإمكاننا وضعها أبداً. وأردف قائلاً: ستسألون ماذا نعني بالصخور الكبيرة؟ إنها أولوياتكم في هذه الحياة...! كثيرا ما نتحدث عن الأولويات، ولكن للأسف يجهل معظمنا معناها الحقيقي، فما المقصود بتلك الكلمة المتداولة بيننا؟ الأولويات هي جمع لكلمة الأَولى، ونعني بها ما يحتل المرتبة الأولى في حياتنا، فالأولوية تعبرعن سلم القيمة والمكانة الأولى في حياتنا، أي أنها تعبر عن القيمة العظمى لدينا وأكثر ما يهمنا. إن الأسلوب والطريقة التي نعيش بها حياتنا هي التي تعكس ما هي أولوياتنا، فكثيراً ما نتكلم عن أشياء وأمور نعتبرها من أولوياتنا لكننا عملياً لا نعيرها اهتماماً أبداً، فكيف هي أولويات إذاً؟! ليس من الضرورة أن ما تقوله يعبر عن أولوياتك، وإنما المهم هو ما تقوم به وتطبقه فعلياً، والذي يعبر عن حقيقة أولوياتك. فاختيار الأولويات هو ذلك الزرع الذي ستحصده لاحقاً. صحيح أنك حر فيما تختاره وتصنفه ضمن أولوياتك، لكن إن أنت لم تحسن اختيار هذه الأولويات، فيجب عليك أن تتحمل عواقب ونتائج اختيارك. قد تكون لنا حرية الاختيار لأولوياتنا ولكن لن تكون لنا حرية نتائج هذه الاختيارات، فالنتائج مرهونة بما نلزم به أنفسنا من اختيار وترتيب لأولوياتنا، والتي سيترتب عليها لاحقاً تحديد مستقبل حياتنا القريب والبعيد. ليصبح السؤال الملح عند الجميع الآن: كيف نعيد تنظيم وترتيب أولوياتنا؟ يقول ستيفن كوفي في كتابه الشهير «العادات السبع للناس المؤثرين»: إن القاسم المشترك الذي يقود للنجاح لا يتمثل في العمل الكادح، أو حسن الحظ أو في العلاقات الإنسانية، على الرغم أن هذه الأمور على درجة كبيرة من الأهمية. إلا أنني وجدت أن ما يفوق تلك العوامل جميعاً هو تحديد الأولويات، وهي من المهارات المهمة جداً الواجب تعلمها لبلوغ الأهداف المنشودة. إن عملية ترتيب الأولويات والمهام والأعمال المنوط بنا انجازها، تتم باختيار الأهم فالمهم بحيث نتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة ضمن الوقت المتاح. وبمعنى آخر فالإنسان الناجح في حياته يجب أن: 1. تكون لديه أهداف وغايات يرغب في الوصول إليها وتحقيقها، أي أنه يدرك تماماً ما يريد، مع وضع الخطط المناسبة التي تمكنه من الوصول لتلك الأهداف. 2. يمتلك التركيزعلى تنفيذ هذه الخطط، بحيث لا يسمح للمنغصات والمشتتات والمثبطات بأن تعيق استمرار تنفيذ خططه، وأن يستطيع أن يقول «لا» للأعمال التي لا يرى فيها فائدة تذكر، أو لا يستطيع الوفاء بها، ولا يجامل على حساب وقته، فالاعتذار وسيلة الإنسان الذي يرغب في التركيز على أولوياته، ولأن عدم القدرة على قول كلمة «لا» ستجعلنا بعيدين كل البعد عن الأهداف المرسومة وتضيع الوقت والجهد. 3. يكون لديه القدرة على استثمار الوقت المتاح في تنفيذ الأولويات، فالإدارة السليمة للوقت تساعد بشكل كبير في تنفيذ الأهداف وإعطاء كل هدف ما يحتاجه من وقت مناسب. 4. يحتفظ بمذكرة أو قائمة يومية للأعمال المنوط بها عملها، تساعده في تحديد الأولويات وتوضح المهام والأنشطة التي يرغب في تحقيقها، ونوع هذه الأولوية، وأفضل وقت لكتابة هذه المهام والأنشطة هي في بداية اليوم أو قبل النوم من اليوم السابق. 5. يكون قادراً على عمل توازن في حياته بين العمل والمرح، ويستمتع بكل الأمور الجميلة المتاحة في حياته مع الاستمرار في تحقيق الأحلام. 6. لا يستعجل النتائج ويمتلك مهارة الصبر الجميل، ويكون إيجابياً ويملك اليقين برب العباد، ومن ثم الإيمان بقدراته وإمكاناته، وأن ما يرغب به سوف يتحقق بإذن الله عاجلاً أو آجلاً. 7. قد يضطر مع مرور الزمن وتغير الظروف إلى تغيير ترتيب أولوياته، بما يعني أنه قد تصبح في المرتبة الثانية الأولويات التي كانت تحتل المرتبة الأخيرة لديه، وذلك حسب الظروف والمستجدات التي قد تطرأ على حياته، فيعيد ترتيب الأولويات إلى ما هو مهم وغير مهم، وعاجل وغير عاجل وأشياء يمكن تأجيلها وأشياء لا تقبل التأجيل أبداً. إن الأولويات تختلف من شخص لآخر، كل حسب أهدافه واهتماماته، فالمهم بالنسبة لي قد لا يكون بالأهمية نفسها بالنسبة لغيري وهذا طبيعي، وتذكر أن الفعالية والكفاءة ليست في مباشرة العمل وقتا أطول، أو في إنجازالكثير من المهمات، أوفي مواجهة الأمور العاجلة والاستجابة لها، بل في استغلال الوقت المتاح في تحقيق ما نستطيع من الأولويات. فالإنسان الناجح هو الذي يحقق النتائج المطلوبة خلال الوقت المتاح. وتذكروا دائماً أن تضعوا الصخور الكبيرة (الأهداف الكبرى في حياتكم) أولاً، وإلا فلا يمكنكم وضعها أبداً. ويبقى السؤال المهم: ما هي الأحجار الكبيرة التي يجب أن تضعها أولاً في وعاء حياتك؟ * مدرب الحياة والتفكير الإيجابي Twitter: t_almutairi Instagram: t_almutairii talmutairi@hotmail.com
مشاركة :