نقاش مبدأ العلة بين الغزالي وهيوم مهم جدًا للتفكير في المنهج الفلسفي أثناء البحث في الفلسفة؛ وذلك أولاً: لأن مبدأ العلة أساس في إثبات وجود الإله في الفلسفة اليونانية ثم في الفلسفة الإسلامية؛ وثانياً: لأن مبدأ العلة مهم جدًا في علاقة النهج التجريبي بالنهج العقلاني الترنسندنتالي. وتظهر لنا هذه العلاقة بين الغزالي وهيوم باتفاق جلي على إمكانية فصل العلة عن المعلول؛ والقول بفصل العلة عن المعلول هو قول نادر جدًا في تاريخ الفلسفة إلى الدرجة التي يمكن لنا أن نعتبر رأي هيوم والغزالي رأيًا متفردًا؛ حتى إن ابن رشد يعتبر الغزالي مهرطقًا في هذا الرأي. بيْدَ أن الاتفاق على فصل العلة عن المعلول بين الغزالي وهيوم لا يعني اتفاقهما بالعموم على جزئيات هذا الفصل أو لنقل على منطلقات هذا الفصل؛ إذ إن هيوم لا يعتبر العلة والمعلول مرتبطان ببعضهما بل كموضوعات متفرقة متتابعة دون رابطٍ بينها، أما هذه العِلّية التي اكتسبتها تلك العلاقة فهي بسبب العادة التي في ذهن البشر، فاعتاد البشر على أن النار تحرق بسبب رؤيتهم لها اعتيادياً أنها تُحرق، لكن النار في ذاتها ليست مرتبطة بالإحراق قبل العادة الذهنية. وعند الغزالي يفصل بين العلة والمعلول لكونهما غير مرتبطين تماماً إلا بقوة خارجية وهي (تقدير الله)، وضرب مثالاً بالأعمى عندما يشفى فيبصر نهارًا كل شيء بألوانه، ظانًا أن عينه هي السبب في الرؤية بينما السبب هو الضوء. واختلفا في أن هدف هيوم في هذا الفصل بين العلة والمعلول هو انتصار للفلسفة التجريبية، التي هي الأساس في تكوين ما يكون داخل الذهن، فالذهن عندما ربط بينهما لم يربط إلا بسبب العادة. بينما الغزالي يهدف بوضوح وتصريح لإثبات المعجزة كعدم احتراق النبي إبراهيم بالنار؛ لذلك فإن الغزالي هدفه هو إثبات المعجزة بينما هيوم هدفه هو نفي المعجزة بالمنهج التجريبي وقد أفرد لها فصلاً في كتابه (تحقيق في الذهن البشري). وبهذا المثال المهم جدًا يتضح لنا الإشكال في النهج الفلسفي؛ فلا يمكن لنا أن نأتي برأي هايدجر مع رأي برتراند راسل للتدليل على قضية فلسفية معينة لافتراق منهجهما بشكل جلي جداً؛ كما أنه لا يمكن لنا أن نناقش قضية فلسفية بالاعتماد على طرح فرانسيس بيكون وكانط مثلًا وذلك للبون الشاسع في نظرتهما لكل ما هو تفكير فلسفي أو لنقل لاختلاف منبع المعرفة عندهما؛ فابستمولوجية بيكون ليست هي ابستمولوجية كانط وإنْ اتفقا في آراء متفرقة قد نجدها في أحيان كثيرة متشابهة جدًا، إلا أن استدلال منهجهما يختلف تمامًا؛ وهذا ما يجعلني أُؤكد علاقة الذات بالموضوع كمركز أساس في تاريخ الفلسفة.
مشاركة :