التأثير بين السببية والتوافقية

  • 12/20/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شاعت أخبار كثيرة بعد الإعلان عن نتائج التجارب السريرية لاختبارات اللقاحات، كان من أكثرها شيوعا وفاة ستة من الذين شاركوا في الاختبارات السريرية للقاح فايزر من ضمن 44 ألفا شاركوا في الاختبارات، إضافة إلى 94 منهم أصيبوا بفيروس كوفيد-19 بعد تلقي اللقاح. الذي يهم الفريق العلمي عند إجراء هذه الاختبارات واللجان التي تنظر في النتائج، هو الإجابة عن سؤال مهم: ما علاقة ما يجري للمشاركين في الاختبارات السريرية بتلقي اللقاح؟ بعد أن يتلقى المشاركون اللقاح في فترة التجارب السريرية، ترصد الأعراض التي تظهر عليهم، فيكون دور الفريق العلمي دراسة الأعراض ومعرفة ما هو سببي متوقع أو توافقي غير متوقع، فمنها ما هو متوقع كالشعور بألم أو احمرار موضعي، ومنها ما هو غير متوقع، كأن يصاب بارتفاع في ضغط الدم مثلا. سيُنظر للأول باعتباره عرض تسبب به التطعيم وينظر للآخر أنه عرض توافق مع التطعيم وليس نتيجة له. وليسهل التفريق بين ما هو سببي أو توافقي، يقسم المشاركون في الاختبارات السريرية (دون علمهم) إلى قسمين: منهم من يتلقى اللقاح فعلا ومنهم من يتلقى لقاحا وهميا. فإذا ورد للفريق العلمي حالة عن أحد المشاركين، سينظر لمجموعته، فإن كان ممن تلقى لقاحا وهميا، ينظر إن كانت الأعراض متوقعة ممن لم يتلقوا اللقاح كأن يصاب أحدهم بالفيروس وتظهر عليه أعراض المرض. وإذا كان المشارك تلقى لقاحا حقيقيا، سينظر إلى الأعراض إن كانت متوقعة، مثل أن يصاب بالفيروس إنما تظهر عليه أعراض طفيفة أو العكس. إنما لو ظهرت أعراض غير متوقعة على الفئتين، فينظر إن كانت هذه الأعراض توافقية أم سببية. وليس أمر التفريق بين السببية والتوافقية جديدا، إنما كثر الجدل قديما وحديثا عند الحكم على التأثير بينهما. بل إن كثيرا من الأوهام والأساطير الشعبية بنيت على ربط بين حدثين يُظن أن أحدهما سببا للآخر لجريانهم معا، أو حدوث أحدهما قبل الآخر. وليس الوهم قاصرا على فئة دون أخرى، وقد بُحث الموضوع فلسفيا لأزمنة طويلة حتى أصبح فهم العلاقات السببية حقيقة مستقرة اليوم، وهي أن حدوث أمر بعد آخر لا يعني بالضرورة أن الأول سبب للآخر. كأن يتسبب شرب الماء البارد بالإنفلونزا لأن من شربه مرض بعد ذلك مباشرة، أو أن التعرض إلى الهواء البارد يتسبب في الزكام. ويمتد تحليل السبب والنتيجة إلى فهم الأحداث العامة في كل المجالات الطبيعية والإنسانية، ومدار كل ذلك هو الوصول إلى فهم واضح لمسببات الظواهر، فقد تكون علاقة السبب والنتيجة مكونة من عاملين فأكثر يعمل كلهم بنسب متفاوتة للوصول إلى نتيجة واحدة، وربما تمثلت الأسباب في سلسلة طويلة تؤدي إلى نتيجة لا تمت بصلة ظاهرية للسبب الأول، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن (أثر الفراشة) في المقال المقبل.

مشاركة :