أكثر المتضررين، بل ضحايا الإرهاب المتستر بالدين أو بشعارات برَّاقة هم المواطنون العاديون، رجالاً ونساءً وأطفالاً. هؤلاء الذين تتساقط القنابل وبراميل المتفجرات على رؤوسهم في سوريا أو يغادرون منازلهم وديارهم مشرَّدين في البراري أو لاجئين إلى بلاد غير بلادهم. وأيضًا أبناء الجاليات العربية والإسلامية في الغرب ويقدر عددهم بالملايين، الذين بات بعضهم في نظر بعض أبناء تلك البلاد، من المشتبه بهم، وبالتالي محط حذر واتهام. ما يعيشه قسم كبير من العالم العربي، اليوم، عاشته أمم ودول ومجتمعات أخرى من قبل، لا سيما تلك التي ينظر إليها، اليوم، كنموذج للسلام والأمن والاستقرار والرقي الاجتماعي، كسويسرا أو فرنسا أو السويد، وغيرها من الدول الغربية. والفظاعات التي ترتكب اليوم على يد بعض التنظيمات الإرهابية ارتكب أفظع منها في الثورات والحروب الأهلية والدينية والطائفية التي نشبت في القرون السابقة في سويسرا وفرنسا وإسبانيا؛ وذلك في العصور التي كان فيها العالمان الإسلامي والعربي يفتحان صدرهما لليهود الذين نزحوا من الغرب هربًا من الاضطهاد، وللمسيحيين الذين كانوا يعيشون آمنين في ديار الإسلام. ترى فكر هؤلاء الذين شوهوا صورة الإسلام في العالم بسبب أعمالهم الإرهابية والفظيعة في الأذى الذي يسببونه لكل مسلم أو عربي يعيش في الغرب؟ ولكل مواطن يعيش في الأراضي التي حولوها إلى ساحة قتال؟ وإلى أين هم ماضون في غيّهم؟ لقد جاءت «عاصفة الحزم» لتقول بالفم الملآن لهؤلاء المتسترين بالدين ومن هم وراءهم: كفى. ويا لها من خطوة تاريخية كبيرة أقدمت عليها المملكة السعودية ودول مجلس الخليج ومصر والأردن، والتي رحب بها المجتمع الدولي ومعظم الدول الكبرى. ولم تعترض عليها سوى إيران، ولا عجب؛ فوراء معظم التوترات والأزمات التي تعصف اليوم بالعالم العربي هناك أصابع إيران وتصديرها للثورة الخمينية إلى خارج حدودها. المعارك الدائرة اليوم في سوريا والعراق وليبيا مرشحة في نظر المراقبين الغربيين لأن تستمر طويلاً. بينما المصلحة القومية العربية، وعلى الأخص مصلحة الأكثرية الساحقة من أبناء تلك البلاد، تفرض تقصير عمرها أو وقفها. إلا أن مصلحة بعض الدول الكبرى - وإسرائيل خاصة - هي إطالتها وتوسعها وشمولها لكل البقاع الإسلامية والعربية. لم يكن أحد - حتى أكثر المتشائمين والمشككين، ينتظر أن يتحول الربيع العربي من حلم إلى كابوس، ومن انتفاضات شعبية تطالب بالحرية والكرامة إلى حروب أهلية وضياع مصيري لأكثر من شعب، ولا أن تطرح كيانات دول عربية على بساط البحث وتغيير رسم الحدود. ولا إلى أن يعلن زعيم تنظيم نفسه خليفة على مليار مسلم، ولا أن يتشرد ملايين البشر من منازلهم وديارهم. وكل الآمال معلَّقة اليوم على هذه الوقفة التاريخية للمملكة العربية السعودية وحلفائها في «عاصفة الحزم».
مشاركة :