أكّد الكاتب الصحافي عبدالله السناوي، أن الصحافة جرى تجريفها في مصر على نحو متعمّد، والحديث عن صحافة جيدة صعب دون سقف للحريات، فوجود رقيب مباشر داخل الصحف أفضل من الوضع الحالي، وقتها سيتحمّل مسؤولية ما يحدث. وجاء حديث السناوي خلال الجلسة الرئيسية لمنتدى إعلام مصر بعنوان “مناخ الصحافة الجيدة.. الشروط والتحديات القائمة”، التي تناولت جدالا حادا بشأن التدني في وضع الصحافة المصرية، باعتراف أبناء المهنة والمسؤولين، الذين يلقون باللوم على الصحافيين أنفسهم، باعتبارهم غير مؤهلين ولا يشبعون نهم القارئ للمعرفة فيقع في شرك الشائعات. ومع أن تحديات الصحافة عربيا وعالميا في تزايد، رأى النادي الإعلامي الدنماركي-المصري في القاهرة الذي ينظم المنتدى سنويا، خصوصية في الحالة تستحق المناقشة على نحو منفصل، ودق جرس الإنذار للتأكيد أن هناك مخاطر تتطلب العمل على مواكبة التغيّرات التكنولوجية وصور الصحافة الحديثة. وفتح النادي الإعلامي على مدار يومي الأحد والاثنين، نقاشات جادة حول أوضاع الصحافة المصرية بحضور مئات من أبناء المهنة من مؤسسات حكومية وخاصة، في محاولة لتقديم رؤية واضحة، لكن المنتدى لم يخرج عن إطار تبادل وجهات النظر والتشريح، واعتبر متابعون أنه لن يُسهم في تحوّل حقيقي على أرض الواقع، بالنظر لنتائج العام الماضي، إذ اقتصرت التغيرات على شركاء النادي، مثل موقع “مصراوي” الذي زادت فيه توظيفات التكنولوجيا، لكن الوضع العام لم يشعر القارئ بأي تطور. وانقسم المشاركون في المنتدى بنسخته الثانية، إلى فئتين، إحداهما تدعم إطلاق الحلقات النقاشية حول أوضاع الصحافة والدفع نحو تنمية الذات، ومن بينهم الصحافي محمد شهود في موقع “بي.بي.سي مصر”، الذي قال في تصريح لـ”العرب”، “مع انغلاق الأفق، يجب أن يستمر الصحافيون في المقاومة بفتح نوافذ للحوار وتبادل الرؤى والعمل على مسايرة التغيرات العالمية، حتى نقلل نسب الإحباط المرتفعة بين الصحافيين”. ورأى فريق آخر، أن المنتدى لا يعدو عن كونه “مكلّمة” أو جلسة سمر، لا تسفر عن شيء سوى اللقاء وتبادل السلام، فيما يظل الوضع مزدرياً، ولا يملك الصحافي مفاتيح حقيقية لتغييره. وقال الكاتب الصحافي المصري أيمن الصياد لـ”العرب”، “لا مردودات حقيقية، هل يعقل أن أدرّب اللاعبين على أداء كرة القدم، بينما لا نمتلك الملعب؟ على أبناء تلك المهنة أن يعتزلوها خلال 10 أو 15 عاماً، أو أن يعملوا في مواقع خارجية، أما الصحافة داخل مصر فلن تشهد طفرات قبل تلك الفترة”. ونوّه بعض المشاركين إلى أن وجود الحرية من الشروط الأساسية لتحقيق صحافة جيدة، لكن وجود الحريات ليس ضمانة لوجود صحافة جيدة، إذ يقع العبء أيضاً على المؤسسة الصحافية والصحافيين لتحقيق الجودة وضمان الاستمرار. واستشهد عزت إبراهيم رئيس تحرير الأهرام ويكلي بتجربته التي تقدم محتوى غير منحاز واحترافيا (موجهة لقارئ أجنبي بالأساس)، مدللاً على ضرورة العمل على تطوير الذات وتبني القيم المهنية، بغض النظر عن الأجواء. وحاول إبراهيم مع الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز امتصاص الإحباط في ظل التضييق بالحديث حول خلق هامش من الحرية والعمل المهني وتطوير الصحافي نفسه. ولاقى حديث إبراهيم وتحميله الصحافي مسؤولية التراجع المهني، تعليقات سلبية من بعض المشاركين.وأشار الكاتب الصحافي أحمد سمير، إلى أن الحديث عن صحافة جيدة غير ممكن، قائلاً “الصحافة التي تنتظر مكالمة تليفونية لتخبرها عما تتناوله وما تتجنّبه ليست صحافة، كذلك التي تسمح لأشخاص بعينهم الظهور وكيل الشتائم، والتي تنتهك فيها الأعراض والحريات، فالصحافة مهمتها الانحياز للقارئ ومراقبة السلطة”. وخلص المشاركون إلى نتيجة واحدة، أن مصر تفتقر للصحافة الجيدة، وهو ما يمكن رصده بسهولة من خلال تدني نسب التوزيع، وعدد زوّار المواقع الإلكترونية، والصورة الذهنية السلبية لدى رجل الشارع نحو الصحافي الذي يُشار إلى عمله وسط العامة بـ”المطبلاتي”، وهو مصطلح شعبي يقصد به التهليل والتصفيق للسلطة وعدم الاستعداد لكشف أوجه قصورها. وأكد المنتدى ضرورة تأهيل وتدريب الصحافيين ومواكبة التطور التكنولوجي ومراعاة المعايير العالمية لجودة المضمون، لوقف نزيف الصحافة في ما يتعلق بتدني أرقام المتابعة والتوزيع وأزمات الثقة بين المواطن والجريدة. ومرجح أن تبقى التوصيات التي صدرت الاثنين، حبيسة الجدران مع تجاوز القضية الرغبة الذاتية في التطور إلى الإرادة السياسية. وجود الحرية من الشروط الأساسية لتحقيق صحافة جيدة، لكن وجود الحريات ليس ضمانة لوجود صحافة جيدة ويتعلق حماس المراقبين للمنتدى برفع سقف الحريات، وتغيير الفلسفة السائدة حول الإعلام صاحب الصبغة الواحدة، وفق النقاشات التي أسفر عنها المنتدى وتوصياته، رغم قرب بعض منفّذيه من دوائر صنع القرار، حيث تعدّ نهى النحاس مديرة النادي الإعلامي للمعهد الدنماركي من منسقي لجنة الإعلام في منتديات الشباب التابعة لرئاسة الجمهورية بمصر. وضم المنتدى 17 ورشة عمل، تنوعت بين الصحافة الاقتصادية، وتوظيفات الهاتف المحمول في الصحافة، ومعايير الصحافة الاستقصائية في تتبع تبييض الأموال، والصحافة الجيدة في العصر الرقمي ومحركات البحث، وخلق زوايا إنسانية في القصص الصحافية، والمعايير المهنية لتغطية الصراعات المسلحة، والإعلام الرياضي، وآليات الممارسة المهنية ومحاصرة التعصب. وعلى الرغم من حيوية بعض الموضوعات المطروحة، لم يتح الوقت المحدد للورش فرصة حقيقية لتلقي مادة يمكن الاستناد عليها في تحقيق طفرة للصحافي، فهي توسيع لمداركه المعرفية بالمضامين الحديثة، لكنها غير مشبعة. كما تناول المنتدى الحديث حول إعلام الخدمة العامة، وهو الإعلام الموجه بالأساس لخدمة الجمهور وحقه في المعرفة ويموّله بصورة مباشرة بحصة سنوية للحصول على الخدمة كما في “بي.بي.سي” أو بدفع الضرائب، ووفقاً لذلك، من المفترض أن يندرج الإعلام الرسمي في مصر ضمن تصنيف إعلام الخدمة العامة.
مشاركة :