وجهة نظر: غليان في كل مكان ـ نسخة الربيع العربي 2.0

  • 11/5/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الاحتجاجات المتواصلة في العراق ولبنان وأيضا قبلها في السودان والجزائر تُذكر بما يُسمى الربيع العربي في 2011 و 2012. راينر زوليش يتساءل في تعليقه هل الاحتجاجات ستنتهي بنفس الطريقة وتفشل؟   نزع السلطة من الحكام المستبدين والنخب الفاسدة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحياة كريمة في حرية وديمقراطية: من أجل هذه القيم خرج مواطنون في العديد من البلدان العربية قبل أكثر من ثمان سنوات بشجاعة إلى الشارع، وفشلوا في تحقيق مطالبهم في كل مكان تقريبا. وفي سوريا وليبيا واليمن تحولت الانتفاضات الشعبية إلى حروب أهلية دموية جلبت الإرهاب والموت والفوضى للناس. والبحرين الصغيرة عملت على إخماد الانتفاضة بمساعدة وحدات عسكرية من "الشقيق الأكبر"، العربية السعودية. وحتى في مصر أعاد النظام القديم الضربة بدون رحمة: فالجيش نفذ انقلابا وعاد إلى السلطة، وما تُسمى "القوات الأمنية" نفذت مذبحة بين أنصار الإخوان المسلمين. ومن يفتح اليوم فمه في مصر، يعيش في خطر أكبر مما كان عليه الوضع في 2011 قبل سقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك: فآلاف المنتقدين للحكومة يقبعون وراء القضبان بسبب التعبير عن الرأي. فقط في تونس ـ مهد الانتفاضات العربية ـ حصل إصلاح جذري لنظام السلطة القائم. لكن التحديات الاجتماعية تبقى كبيرة والوضع السياسي العام جَدُّ هش. غضب عارم ويأس وبالنظر إلى هذه الخلفية قد يندهش المرء من الشجاعة، التي تبدو أنها ظهرت فجأة من جديد في قيام كثير من الناس في بلدان عربية هذه السنة برفضالأنظمة القائمة والظروف المهيمنة. لكن شجاعة الناس في السودان والجزائر ولبنان والعراق لا تتبع استراتيجية عليا. فهي تتمخض عن غضب عارم ويأس. وتبقى البطالة العالية بين الشباب وانعدام آفاق التنمية مشكلة خانقة في جميع البلدان العربية تقريبا لا يقدر الحكام إلى حد الآن على تقديم حلول لها. كما أن الفساد واقتصاد الريع متجذران بعمق في هياكل السلطة المهيمنة، ويؤديان في الحياة اليومية لتعرض كثير من المواطنين بقوة للحيف والتهميش. ومن ثم يمكن تفهم هبوب المواطنين ضد هذه الأوضاع. راينر زوليس، محرر شؤون الشرق الأوسط بـDW وفي كثير من المجتمعات العربية يحصل بالتالي غليان منذ مدة وبقوة في كل مرة. فالاحتجاجات لا تمثل هنا في النهاية متنفسا للتخلص من الغضب والضغط. لكنها أدت إلى نجاحات مرحلية مثيرة، لاسيما من نوع يرتبط بالأشخاص: ففي الجزائر والسودان أُجبر المستبدان عبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير على ترك منصبيهما وفي لبنان رأى رئيس الوزراء سعد الحريري نفسه مجبرا على إعلان الاستقالة وفي العراق يترنح كرسي رئيس الحكومة عادل عبد المهدي. لكن يبقى حالياً غامضاً إلى أين ستتجه موجة الاحتجاج العربية وهل ستطال ربما دولا إضافية في المنطقة. وإلى جانب الفرص يجب هنا النظر أيضا إلى المخاطر: ففي العراق ولبنان قد يتم استغلال النزاع بين الحكام والمحكومين لتأليب الطوائف الدينية والعرقية على بعضها البعض. وبالنسبة إلى كلا البلدين سيكون ذلك عودة سيناريو شبح قد يمنح دفعة جديدة للمتطرفين والإرهابيين. واستخدام العنف المفرط ضد متظاهرين في العراق يثير منذ الآن القلق. وفي الجزائر والسودان انطلقت كرد فعل على الاحتجاجات المستمرة طوال أسابيع عمليات انتقال واعدة سياسيا. لكن الحوار بين الحكام  وحركة الاحتجاج يتبلور بصعوبة في كلا الحالتين والنتيجة لا يمكن التنبؤ بها. وفي أحسن الأحوال ستحصل حلول توافقية. وفي أسوء الأحوال قد تشتد مجددا التناقضات. والعواقب المحتملة ستكون عدم رضا وإحباطاً أكبر. المنطقة الجارة لأوروبا لا تشهد الهدوء وهذا يعني بالنسبة إلى أوروبا أن منطقة الجوار، الشرق الأوسط، لن تهدأ في الوقت المنظور الهدوء كما أن ضغط الهجرة من هناك لن يتراجع. والاتحاد الأوروبي منظومته الحالية ليس ببإمكانه فعل شيء أكثر من دعم مبادرات الحوار الإيجابية مثل ما هو في الجزائر والسودان ومراقبتها بعين منتقدة. أما ما يجب عليه فعله في المقابل فهو التخلي عن المراهنة على "شركاء" يعدون بـ"الاستقرار" بملئ فمهم لكنهم في الحقيقة يقومون عمدا، من خلال القمع الشديد، بزيادة الضغوط الاجتماعية والسياسية، على غرار ما نشاهده منذ سنوات عديدة في حالة مصر. راينر زوليش

مشاركة :